يوم الاثنين المقبل، ستثير الآثار التي ستعرضها «مؤسسة سعادة للثقافة» و«جمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي ــ إنماء» في قاعة الأونيسكو، ضجةً كبيرةً ستبدأ من بيروت، ولن تنتهي أبداً عند عاصمة العدو الصهيوني تل أبيب. هذه الآثار «المستردة» سرقها (ودمغها بكل وقاحةٍ باسمه) وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه دايان (1915 ــ 1981).
عرف دايان بشراسته في قتال العرب، خصوصاً من خلال مشاركته في إنشاء وقيادة عصابات الهاجاناه والشتيرن التي ارتكبت العديد من المجازر بحق الفلسطينيين المدنيين والعزّل (كدير ياسين والكابري وسواهما). في الوقت عينه، كان «لصاً وضيعاً» للآثار ورمزاً من رموز الفساد في الدولة العبرية (كما يصفه مقالٌ في صحيفة «هآرتس» العبرية رغم دمغه في المقال بأنّه ابن بار للكيان العبري وبطلٌ قومي للدولة). دفعه ولعه الشديد بالآثار إلى إجبار جنود جيش الاحتلال وبعض العملاء من البدو العرب ــ تحت إمرته- على البحث عن الآثار كي يضمها إلى «مجموعته الخاصة» متصرفاً بها كما يشاء. تأتي عملية «إعادة» هذه الآثار و»استردادها» عملاً مقاوماً من أرفع طراز. العملية التي اتسمت بالسرية، والهدوء والصبر الشديدين، تكللت بالنجاح، فإحضار آثارٍ بهذه القيمة المعنوية، من دون علم الصهاينة (عبر جمعياتهم ومؤسساتهم المنتشرة بكثرة في أميركا مكان تواجد الآثار)، ليس عملاً سهلاً أبداً، فضلاً عن كلفته المادية والمعنوية العالية.
تختلف طرق المقاومة. بينما يقاوم بعضهم بالسلاح، هناك جنود يقاومون ثقافياً. «نحن لا نفعل ذلك إلا بدافعٍ من إيماننا القومي والوطني، وهذه الآثار فلسطينية، وستبقى فلسطينية، وعاجلاً أم آجلاً سنعيدها إلى فلسطين وإلى أهلها الحقيقيين». بهذه الكلمات البسيطة، يحدّد رئيس مؤسسة «سعادة» حليم فيّاض (محافظ الجنوب الأسبق) الهدف الحقيقي وراء هذه «العملية» الثقافية. هو يعرف بأن استرداد هذه الآثار كان ربما واحدةً من الضربات الموفقة للمقاومة الفكرية. مجرد أن تستعيد آثاراً سرقها «قرصان» جيش الاحتلال الصهيوني موشيه دايان (أعطته اللقب الصحف الأوروبية لوضعه عصبة على عينه التي فقدها في المعارك)، فذلك إنجازٌ حق. «لم يكتفِ دايان بسرقة الآثار فحسب، بل أهداها لأصدقائه كإيرفين بيرنشتاين، وبول وهيلين زوكرمان (وهم من عتاة المؤيدين للكيان العبري والصهيونية)، حتى إنه فعل أكثر من ذلك بكثير. لقد وسم مجرم الحرب هذا اسمه فوق هذه الآثار وكتب عليها متجاهلاً قيمتها التاريخية والعلمية، كما لو أنّها له وأهداها إلى أصدقائه على اعتبارها هدية «شخصية كأنها ملكه» يكمل فياض. لكن ماذا عن كيفية الحصول على هذا «الصيد الثمين»؟ كيف أمكن الحصول على هذه المجموعة الأثرية المهمّة تحت «عين» الصهاينة و»أنفهم»؟ «في الحقيقة، المجموعة التي بين أيدينا الآن هي ببساطة كانت مهداة من وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه دايان إلى عددٍ من أصدقائه. لاحقاً، ارتأى أحفاد هؤلاء الأشخاص أن يبيعوا هذه التحف والقطع الأثرية، فأدخلوها في مزادين علنيين في الولايات المتحدة الأميركية. نحن كنا نتابع هذه الآثار، ونعرف قيمتها. لذلك دخلنا إلى المزاد وفزنا بها». تخبرنا لمى ملّاك مسؤولة الأنشطة في جمعية «إنماء». لا ريب في أنّ مجرد إعادة آثارٍ «مسروقة» و»مهرّبة» هو عملٌ ثقافي مقاوِم، في ظل ما تقوم به المنظمات التكفيرية من تهديم وسرقةٍ وبيع للآثار العربية. تعلّق ملّاك: «نعم نحن قمنا بذلك كي نقول بأننا نستطيع حماية هذه الثقافة، ونهتم بها، وبأن الأوان لم يفت كي نفعل ذلك، وبأننا نستطيع إن عملنا وجهدنا أن نثبت بأننا نستحق هذه الأرض وهذا التراث والإرث العظيم. ورغم كل ما تقوم به داعش وأمثالها من تدمير وتهديم، أردنا أن نظهر بأن هناك بوادر أملٍ، وبأنَّ كل شيءٍ ممكن بقليلٍ من العمل والصبر».

وسم موشيه دايان اسمه فوق هذه الآثار وكتب عليها متجاهلاً قيمتها التاريخية والعلمية

وعن كيفية عرض هذه القطع الأثرية ومصيرها، يخبرنا فياض بأنهم سيعرضونها بدءاً من بعد غد ضمن نشاطٍ احتفالي في «قصر الأونيسكو» كي «يراها أكبر عددٍ من الناس. نحن تحدثنا في المؤسسة مع عددٍ كبير من الجمعيات، اللبنانية والفلسطينية ومدارس الأونروا والمدارس اللبنانية ووزير التربية والتعليم اللبناني (إلياس بو صعب) بهدف مشاركة أكبر عددٍ من الطلاب في هذا الحدث الذي نعتبره مهماً للغاية». وفي اختيارهم لهذا التاريخ (2 نوفمبر) الذي يصادف ذكرى وعد بلفور، يؤكد فياض أنّ الاختيار جاء مقصوداً: «لنقول للمحتلين بكافة أشكالهم وألوانهم بأننا لا ننسى، وبأننا في هذا اليوم بالتحديد نعيد آثارنا المنهوبة، وتبقى ذاكرتنا حيةً وواعية، فهم في النهاية راحلون، أما نحن فنبقى». وفي برنامج النشاط، يفتتح المعرض بكلمةٍ لـ «مؤسسة سعادة»، لتليها تحية لفلسطين تقدمها الفنانة السورية فايا يونان، ليدخل الجانب الأكاديمي إليها من خلال ندوة حول «سرقة وتدمير آثار الهلال الخصيب» بمشاركة مجموعة من كبار الباحثين وعلماء الآثار العرب وهم: مدير شؤون المتاحف في مديرية الآثار (سوريا) أحمد ديب؛ وكيل وزارة السياحة والآثار سابقاً (فلسطين) حمدان طه، وأستاذ التاريخ والحضارة (العراق) مزهر الخفاجي؛ والخبير التراثي ومستشار وزير الثقافة (لبنان) أسعد سيف. ويدير الندوة الإعلامي سامي كليب. تخبرنا ملّاك: «يمتد المعرض على يومين إضافيين من الساعة 10 صباحاً وحتى الساعة الثامنة مساءً، ليصار لاحقاً إلى عرضه في أماكن مختلفة من لبنان، ثم إلى عرضه بشكلٍ دائم في صالة مفتوحةٍ للزوار والعموم» تكمل ملاّك.

«معرض الآثار الفلسطينية المستردّة»: بدءاً من الاثنين 2 حتى الأربعاء 4 ت2 (نوفمبر) ـــ «قصر الأونيسكو»





من الحقبة البرونزية إلى الفارسية

تتكون المجموعة من 39 قطعةً أثرية وتراثيةً متنوعة (جرار لنقل الماء والخمر والزيت، أباريق، أوعية كأسية الشكل، أكواب، تماثيل صغيرة، قناديل زيت، كأس مذبح، مطرات) بعضها مصنوع من الخزف والصلصال، بينما صنع بعضها الآخر من البرونز والمعدن (كالخناجر والرماح والسيوف ومقابض الأبواب). يمتد العمر الزمني للمجموعة على آلاف السنين، فهي تعبر عصوراً بأكملها. هناك خزفيات تعود إلى الحقبة البرونزية (بكامل تشكلاتها الأولى، الوسطى والثانية والثالثة؛ أي ما مقياسه 1500-2500 قبل الميلاد)، والحقبة الحديدية (أو عصر الحديد، أي منذ 900-1200 قبل الميلاد أو الثانية 600-900 عام قبل الميلاد)، صعوداً حتى الحقبة الرومانية والإغريقية (المتأغرقة) في القرنين الثاني والثالث (قبل الميلاد)، والحقبة البيزنطية في القرنين الرابع والسادس (قبل الميلاد)، وصولاً إلى الحقبة الفارسية في القرنين السادس والخامس (قبل الميلاد). لم يعرف أحفاد بيرنشتاين وزوكرمان وربما حتى أحفاد دايان نفسه قيمة هذه الآثار المهرّبة والمسروقة. لذلك، باعوها بهذا الثمن البخس، فقيمة هذه الآثار ليست أبداً في كونها خزفيات أو صلصاليات تراثية، بل إن قيمتها الأبرز هي في كونها «مستردةً» من عدو محتل لا يستحقها أصلاً، استطاع الحصول عليها بالقتل والتغلّب، لا أكثر ولا أقل. لكن ردة الفعل المتوقّعة والقادمة لا بد من أنّها ستكون من داخل الكيان العبري. ذلك أنّ الصفعة ستكون مدويةً هناك. من خلال سلوكهم الدائم في «سرقة» و»محو» آثار الشعب الفلسطيني، سيفاجأون بأنَّ هذه الآثار ستعود «فلسطينية» فضلاً عن عرضها بشكلٍ دائم - ومستفز لهم- للتذكير بمصدرها الحقيقي وأصلها الطبيعي.