تونس | منذ إعلان ولادة حركة «نداء تونس» عام 2012، تشكّل «النداء» من مزيج بين شخصيات ذات خلفيات يسارية ونقابية و»دستورية تجمعية» (نسبة إلى الحزب الحر الدستوري الذي انتمى إليه الحبيب بورقيبة، قبل أن يتحول في عهد نظام زين العابدين بن علي إلى التجمع الدستوري الديموقراطي)؛ جمعتهم آنذاك معارضة مشروع «حركة النهضة» من جهة، وتضرر مصالحهم من جهة أخرى.
إبان الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية عام 2014، والانتخابات الرئاسية التي تلتها، لم تظهر للعيان الأزمة الداخلية التي يعاني منها الحزب الذي سيفوز في هذه الانتخابات، بشقيها. لكن بعد خروج مؤسسه وزعيمه، الباجي قائد السبسي، من مقر «نداء تونس» ليتوجه إلى قصر قرطاج الرئاسي كي يتفرغ لمهماته رئيساً للجمهورية، اندلع صراع تيارات ضمنه، كاد يعصف به وينهي تجربة حزب ولد قوياً.
بعد خروج الباجي قائد السبسي من الحزب، ظهرت الخلافات بين تيارات متعددة داخله، كل منها يحاول السيطرة على مراكز القرار. وبعد تعارك سياسي عنيف لم يبق سوى تيارين متصارعين: الأول يُعرف بالشق اليساري والنقابي (من رموزه الأمين العام محسن مرزوق والوزير المستقيل حديثاً الازهر العكرمي ووزير الخارجية الطيب البكوش)، فيما يطلق الشق الثاني على نفسه صفة التيار التصحيحي، أو الدستوري، ويضع في الواجهة حافظ قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي)، الذي كان مكلفاً مسألة هياكل الحزب قبل تنحيته عنها بضغط من الشق اليساري، خوفاً من إزاحتهم خلال المؤتمر الأول. وجرى تنصيب حافظ السبسي كنائب رئيس للحزب، وهو منصب شرفي.

يسمح القانون
الأساسي لحركة «نداء تونس» بوجود تيّارات متباينة

المعروف أن حافظ قائد السبسي لم يكن قيادياً في «التجمع الدستوري» المنحل، ولكن ما يسمى التيار الدستوري (أي التجمعي) وبعض رجال الأعمال كان يرى فيه الواجهة المناسبة لوضع حدّ لسيطرة اليساريين والنقابيين على الآلة الحزبية عبر وجودهم في مراكز اتخاذ القرار كالمكتب السياسي والهيئة التاسيسية. والمراهنة على نجل الرئيس فيها فوائد جمّة منها، على الأقل، تحييد الباجي قائد السبسي في هذا الصراع.

صراع علني

هذا التنازع العلني على مواقع القرار داخل الحزب تحول إلى عنصر أساسي في الحياة الداخلية لـ «نداء تونس»، وبات ظاهراً في المنابر الإعلامية، وتطوّرت المشاكل في الحركة حتى باتت تهددها بالانقسام بين شقّين متصارعين: شقّ حافظ قائد السبسي، فيما يتزعم الشقّ الثاني أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب وغالبية من المكتب السياسي، هي أساساً من النقابيين واليساريين.
وقد أنتج هذا الصراع ما يمكن وصفه بواقع الحزبين، إذ إنّ كل شق يدعو إلى اجتماعات جهوية باسم الحزب لحشد الأنصار والإعداد لمؤتمر الحزب المقبل.
وفي حديث لـ»الأخبار»، يرى المحلل السياسي التونسي، محمد القوماني، أن حركة «نداء تونس» ولدت متنوعة ومتكونة من تيارات لا يمكن أن تتعايش داخل إطار سياسي واحد، خاصة بعد اختفاء سبب التقائها المتمثل في معارضة «حركة النهضة» والوصول إلى الحكم. ويقول إنّ «المؤتمر المقبل سيكون بمثابة حرب بين الشق اليساري بقيادة الأمين العام الحالي محسن مرزوق والشق الدستوري (أو التجمعي) الذي يختفي خلف حافظ قائد السبسي».
ويسمح الفصل الثاني من القانون الأساسي لحركة «نداء تونس» بوجود التيّارات داخلها، إذ ورد فيه أن «حركة نداء تونس تستند إلى الفكر الإصلاحي التونسي وإلى التراث الإنساني العالمي وقيم الحرّية والعدالة الاجتماعية، وهي بذلك مفتوحة إلى مختلف التيّارات الفكرية والسياسية». ويؤكد القانون الأساسي أنّ «من حقّ تلك التيارات المنضوية داخلها أن تعبرّ عن هويّتها وآرائها بصورة فردية أو جماعية على شرط أن تلتزم التوجّهات العامة للحركة وبلوائح مؤتمراتها».
غير أنه مع اقتراب موعد انعقاد المؤمر الأول لـ»نداء تونس» (19 و20 كانون الأول المقبل)، يحتدم الصراع تدريجاً، إذ تتخوف القيادات اليسارية من حشد الشق الدستوري للمؤتمرين ضدهم وهم الذين ورثوا آلة «التجمّع» الانتخابية، فما كان من الشق اليساري إلا محاولة الدفع بحصر المؤتمرين الذين سينتخبون الأمين العام والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي للحزب، بالمنخرطين بالحزب في سنوات 2012 أو 2013 أو2014، خوفاً من آلة «التجمّع» الانتخابية.
محمد لزهر العكرمي، وهو من القيادات اليسارية داخل الحزب، قال في تصريح إعلامي إنّ من الضروري تحصين المؤتمر الأول والبحث عن ضمانات قانونية تُمكّن من إجراء انتخابات شفافة وديموقراطية ونزيهة، وحماية المؤتمر من أية تجاوزات قد تحدث، موضحاً أن من بين ذلك «شراء الذمم وبيع الانخراطات بطريقة غير قانونية».
وما يزيد من تخوفات الشق اليساري هو مساعدة الأحزاب التي ظهرت في البلاد نتيجة حل «التجمع الدستوري الديموقراطي» للتيار الدستوري داخل «نداء تونس»، خاصة بعد تأسيس قيادات محسوبة على شق نجل الباجي قائد السبسي لما يُعرف بمبادرة العائلة الدستورية، كهيكل جمعياتي يهدف إلى تجميع كل الأحزاب والقوى والشخصيات التي انتمت إلى حزب الرئيس السابق بن علي.