يبدو أن العلاقة بين "جبهة النصرة" من جهة، وبين أنقرة وحليفاتها من المجموعات المسلّحة في سوريا من جهة أخرى، لم تعد قادرةً على الاستمرار طويلاً في المنطقة الرّماديّة. "النصرة" بثت أمس رسائل عدة في هذا الشأن موجهة إلى مختلف الأطراف، على لسان "شرعيّها" أبو عبدالله الشامي (محمد عطّون). ورغم أن "النصرة" سبق لها أن أعلنت موقفها "الشرعي" من تحالف "الفصائل" مع أنقرة، غير أن رسائل الشامي أمس اكتسبت نبرة تصعيديّة تُعزز احتمالات الانتقال إلى مرحلة "التكفير".
كلام الشامي الذي يشغل منصب "عضو مجلس الشورى وعضو اللجنة الشرعية العامة في جبهة النصرة"، جاء خلال مقابلة مُسجلة أجرتها معه "مؤسسة المنارة البيضاء" الذراع الإعلامية لـ"النصرة". أوّل ما يستدعي التوقف عنده في هذا السياق أن المقابلة المذكورة أُجريت من دون وجود أي مناسبة أو حدثٍ يستدعي ذلك، ما يجعل "رسائل الشامي" غايةً في حد ذاتها. ومن المعروف أن العلاقة بين "النصرة" وأنقرة قد اختبرت مرحلة جديدة، بالتزامن مع تصاعد الحديث التركي عن "المنطقة الآمنة" في ريف حلب الشمالي. فرغم أن التعاون الوثيق بين الطرفين استمر في ما يخص محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة "النصرة" وحلفائها في "جيش الفتح"، غير أن "النصرة" رضخت لضغوط تركيا وحلفائها من "الفصائل" في ريف حلب الشمالي، وقامت بإخلاء مواقعها هناك. "النصرة" استبَقت "الإخلاء" بالحصول على تطمينات تؤكد عدم استغلال "حركة أحرار الشام الإسلامية" لمشروع "المنطقة الآمنة" بغية تعزيز نفوذها على حساب "النصرة" ("الأخبار" ــ العددان 2663 و 2658 ). ويبدو أن تلك التطمينات لم تعدُ كونها كلاماً في الهواء، إذ تتالت المؤشرات على أن "أحرار الشام" نجحت فعلاً في استغلال "الإخلاء" بصرف النظر عن مصير "المنطقة الآمنة". ومن المرجح أن موقف "النصرة" المستجد لا يرتبط بريف حلب الشمالي فحسب، وخاصة في ظل وجود معلومات (غير مؤكدة بعد) عن تحول قريب في التعامل التركي مع "جيش الفتح" يقوم على حصر التسهيلات المقدّمة له بقنوات محددة لا ترتبط بـ"النصرة"، الأمر الذي يصب في خانة إضعاف نفوذ الأخيرة. ضمن هذا الإطار، يبدو مفهوماً قيام الشامي أمس بنقل خطاب "الجبهة" في شأن العلاقة مع الأتراك إلى مستوى جديد، أول ملامحه مهاجمة حكومة "العدالة والتنمية"، واتهامها بـ"عدم الجدية في قتال تنظيم الدولة" (المعروف بـ"داعش"). وذهب الشامي أبعد من ذلك، عبر المجاهرة باتّهام أنقرة بوجود "مصالح مشتركة كبيرة بينها وبين داعش". الشامي أكد أن "تركيا تستفيد اقتصادياً من جماعة الدولة والعكس". وأضاف: "وجه الاستفادة هو تهريب النفط إلى تركيا، حيث إن أسعار الوقود والمحروقات في تركيا مرتفعة جداً، فيباع بالداخل التركي لتعود الفائدة إلى الطرفين". وحرص "الشرعي" على التذكير ببعض الأدلة التي تؤكد وجود تعاون بين أنقرة و"داعش"، مثل "إطلاق التنظيم للدبلوماسيين الأتراك في الموصل، ونقل الأتراك لضريح سليمان شاه من داخل مناطق التنظيم، وكل ذلك بمقابل". كذلك، حرص الشامي على الإدلاء بدلوه في شأن معارك عين العرب (كوباني)، حيث أكّد أن "تركيا هي الوحيدة المستفيدة من تلك الحرب، لا جماعة الدولة، ولا البككة (حزب العمال الكردستاني pkk)". ورأى الشامي أن "تركيا تخاف على أمنها القومي من الـ pkk فقط، وتسعى إلى عدم ضرب الشوكة التي تقاتلهم"، في إشارة إلى "داعش". وضمن هذا الإطار، وضع الشامي حديث أنقرة عن "المنطقة الآمنة"، مؤكداً أنّ الهدف الحقيقي من ورائها هو "فقط صد تقدم الـ pkk، وهي لا تصب في مصلحة الفصائل". وفيما حظيت أنقرة بهذا الهجوم، فقد حرص "الشرعي" على ترك الباب موارباً أمام العلاقة مع "الفصائل" المُتحالِفة مع تركيا، إذ نصحها بـ"العودة إلى الصف الداخلي، والتشاور مع المجاهدين لتحقيق مصالح أهل الشام". وقال إنّه "رغم عدم تكفير النصرة لتلك الفصائل إلا أنها تعتبرها على خطر عظيم بسبب دخولها في التحالف التركي"، مبرراً ذلك بأن "تركيا تنسق مع الولايات المتحدة الداخلة في تحالف صليبي". وجدّد الشامي التأكيد على موقف "النصرة" من التدخل التركي، الذي "لا يجوز شرعاً، وغير مجدٍ سياسياً وعسكرياً".

هجوم على المدعومين من قطر وتركيا

كذلك ردّ الشامي على اقتراح مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السابق ديفيد بترايوس في شأن "استخدام المعتدلين من جبهة النصرة في قتال داعش"، الأمر الذي اعتبره الشامي "يدل على ضعف وتخبط أميركا، وهذا الاقتراح يسعى إلى شق صف جبهة النصرة من الداخل". وأضاف إن "المعتدل الذي تقصده أميركا هو بالنسبة إلينا خائن لدينه ولأمته، ولا يوجد تيارات داخل جبهة النصرة، حيث إن منهجها ورؤيتها وسياساتها واحدة". وجدّد الشامي التأكيد على ارتباط "جبهة النصرة" مع "تنظيم القاعدة"، فقال: "نحن نرى أن هذا الارتباط يحقق لنا أهدافاً عسكرية وسياسية، ولا يعني ذلك انعزالنا عن بقية الجماعات، حيث إن العدو واحد، فلا بد من التكاتف والتوحد". في الوقت نفسه، ترك الشامي الباب مفتوحاً أمام "إمكانية فك الارتباط مستقبلاً إن رأينا المصلحة الشرعية تقتضي ذلك". وبدا لافتاً حرص الشامي على مهاجمة فصائل لم يسمّها بسبب تلقيها الدعم من تركيا وقطر (في إشارة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية بالدرجة الأولى). وقال: "زاد الأمر إلى دخولها معهم في حلف، فلماذا تنقمون علينا ارتباطنا مع القاعدة التي تشرفنا، وبالمقابل تلك الدول ترسل لكم أجهزة مخابراتها لتلتقي معكم". ولم يفوّت الشامي الفرصة لتكرار مهاجمة "الفرقة 30"، والحديث عن المعارك معها، فقال إنّها "تريد بناء مشروع أميركي في المنطقة، ولا تصرح بهدفها الثاني وهو قتال جبهة النصرة بعد قتال تنظيم الدولة". وأضاف "هؤلاء يتدربون على يد الأميركان، وبالتالي نحن ضربناهم لقطع ذراع أميركا في الشمال السوري (...) عندما قام الإخوة بضرب الفرقة 30، قام الطيران الأميركي على الفور بقصفنا وقتل 17 عنصراً من جبهة النصرة، وهذا دليل واضح على أهداف الفرقة 30".