تكاد تكون المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس الحكومة تمام سلام تضاهي مقاطعة وزراء تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله جلسة مجلس الوزراء الخميس الفائت أهمية. كمنت المفارقة في أن المكالمة الهاتفية استكملت مفاعيل المقاطعة.
لم ينقضِ وقت قصير على ارفضاض الجلسة حتى كُشف عن اتصال بري بسلام، وطلبه منه التريث في توجيه دعوة جديدة لمجلس الوزراء الى الانعقاد، الى حين بتّ تسوية الازمة الحكومية. عنى ذلك إعادة الاصطفاف بين الحلفاء بعد إمرار الاستحقاقات التي يعدّها بري «أكثر من ضرورية، بل لا بد منها» في جلسة الخميس، ومن ثمّ آن الاوان للانصراف الى جبه المشكلة السياسية.
لكن ما توخته مكالمة رئيس المجلس أيضاً بضع ملاحظات، منها:
1 ــ ليس لمجلس الوزراء إلا أن يجتمع بمكوّناته الأساسية التي يلتقي بري وسلام على أنها في صلب تأليف الحكومة، وأخصّها الفريقان المقاطعان، تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله. أضحى تعريف «المكوّن الأساسي» ملازماً لانعقاد مجلس الوزراء على الأقل، في معزل عن التصويت على القرارات. ولا يعدو مغزى المكالمة وطلب التريث سوى تأكيد بري ضمناً أنه، كحليفه وحليف حليفه، في قلب المكوّنات الأساسية تلك التي لا يصلح التعامل معها بالمفرّق.
ذات جلسة احتج الوزير عبدالمطلب حناوي على تصنيف الكتل الحكومية بين مكوّن أساسي ومكوّن غير أساسي، وقال إن القوى الرئيسية التي يتألف منها مجلس الوزراء سبع متساوية في ما بينها، ليس فيها وزير بسمنة ووزير بزيت.
قد لا يبدو استنتاج حناوي دقيقاً الى هذا الحد، إذ لا يصدّق فعلاً أن ثمة كتلاً بسمنة وأخرى بزيت. كذلك حال الوزراء. بعض الكتل يصقلها المراس وأخرى تطلع من المصادفة. وقد لا تفوته تجارب مخضرمة سابقة أن في ذات يوم ينبت العشب على الأعتاب.
2 ــ بالتأكيد ثمة ما يصحّ أن يسمى ديكتاتورية المراسيم العادية التي لا تصدر ما لم يوافق عليها رئيس الجمهورية ويمهرها بالتوقيع، أياً يكن موقف رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص أو الوزراء المختصين. ما لم يغيّر الرئيس رأيه ويتخلى عن تحفظه، لن يصدر المرسوم العادي إلا بإعادة رئيس الحكومة والوزير المختص أو الوزراء المختصين النظر في موقفهم أو انتظار الحكومة التالية. ولأن الصلاحية ديكتاتورية بكل ما للكلمة من معنى، لا تخضع لقيود ومهل ترغم الرئيس على إصدار المراسيم العادية شأن قرارات مجلس الوزراء، فإن انتقالها الى مجلس الوزراء إبان الشغور يحتّم توقيع الوزراء الـ24 بلا استثناء. ما لم يفعلوا جميعاً، لا مرسوم يصدر.

حناوي يحتجّ
على تعريف «المكوّن الأساسي»: مَن قال وزراء بسمنة
وآخرون بزيت؟



لعل مرور الوقت على اتفاق الطائف ووقوع الشغور الرئاسي مرتين على التوالي في ظله عامي 2007 و2014، أفصح عن ديكتاتورية هذه الصلاحية على نحو لا تماثلها فيه القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، إذ تخضع للتوافق أولاً ثم للتصويت، ثم تتيح لرئيس الجمهورية، عملاً بالمادة 56، طلب إعادة النظر فيها وتمنحه مهلة، قبل أن تعود القرارات مجدداً الى مجلس الوزراء كي يتبصّر في ردّه عليها: إما يسلم بطلب الرئيس إعادة النظر أو يصرّ المجلس على القرار. وبمقدار ما تطبع الديموقراطية المادتين 65 و56 من الدستور المتعلقتين باتخاذ القرارات وإصدارها بمراسيم، يتسم إصدار المراسيم العادية بالديكتاتورية الكاملة. لا تحمل المراسيم العادية بالضرورة أهمية تلك المنبثقة من قرارات مجلس الوزراء، ولا تنشر كلها في الجريدة الرسمية، بيد أنها تندرج في صلاحيات رئيس الجمهورية غير القابلة للتجزئة.
3 ــ ما لم يُسمح لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008 المضي فيه، وهو اجتماعها في غياب المكوّن الشيعي واتخاذ القرارات بغالبية تتجاوز ثلثي الفريق الواحد، لن يعطيه بري للحكومة الحالية، وهو يبدو على تعاون مثير للاهتمام مع رئيسها ولا يوفر فرصة لا يطري جَلَدَه واستيعابه وتفهمه. عندما رغب اليه بري في التريث، ردّ سلام: لعله معك حق.
كانت تلك إشارة إضافية لرئيس المجلس الى مجاراة سلام له تعليق أعمال مجلس الوزراء موقتاً كي لا ينعقد بنصاب سياسي ناقص، ولا يتخذ قرارات لا يمكن إصدارها.
تذرّعت الحكومة الحالية بوجود وزيري رئيس البرلمان في جلساتها كي تقول إن المكوّنات المذهبية الأساسية جميعاً حاضرة في صفوفها، فضلاً عن وجود ثلثي الوزراء على مقاعدها. على نحو كهذا أقرّت 170 مرسوماً ــ خلافاً للرقم الشائع وهو 70 ــ وأصدر رئيس الحكومة منها مئة لم تنشر كلها في الجريدة الرسمية بعد، فإذا الحكومة أمام مشكلة انفجارها من الداخل.
سواء عُزي بقاء وزيري بري في الجلسات الى خلافه المزمن المستعصي الحل مع الرئيس ميشال عون، أو الى رغبته في إقرار بنود حتمية وضرورية تعني أول مَن تعني وزيره فيها وزير المال علي حسن خليل، إلا أن المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس المجلس برئيس الحكومة الخميس، أعادت تصويب توازن القوى داخل السلطة الاجرائية. لا يسعها الاستمرار بـ18 وزيراً والتعويل على تواقيعهم وحدهم، وتجاهل الوزراء الستة الآخرين على غرار ما فعل السنيورة في حكومته الأولى بعد استقالة الوزراء الشيعة حينما راح يصفهم بمتغيبين، ومن ثمّ اتخاذ قرارات كأن أولئك لا وجود لهم.
ما توخته مكالمة بري، إذ وهب مجلس الوزراء إجازة قد تكون طويلة، محاولة البحث عن تسوية الحد الادنى تحدّد آلية عمل مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، وتكرّس تالياً التعامل مع صلاحية إصدار المراسيم: لا تصدر المراسيم العادية إلا بتوقيع الوزراء الـ24 جميعاً بلا نقصان، بينما يخضع إصدار قرارات مجلس الوزراء بمراسيم لآلية عمل مجلس الوزراء طبقاً لما تنص عليه المادة 65.
من غير الواضح أن حظوظ تفاهم كهذا وشيكة، بإزاء مشكلة تبدو أكثر تعقيداً وغير قابلة للحل في ظل الانقسام الحالي: مَن يرث صلاحيات رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء مجتمعاً بصفته هيئة واحدة، أم الوزراء فرادى كلٌ بمفرده؟