بعد 33 عاماً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كشفت وثائق عسكرية إسرائيلية، سمح بنشرها أمس، أن جيش الاحتلال خطط لاحتلال بيروت مسبقاً، وليس فقط احتلال مناطق لمسافة أربعين كيلومتراً، كما ادعت في حينه الحكومة الإسرائيلية. وأوضحت الوثائق الجديدة أن خطط الاجتياح واحتلال بيروت كانت موضوعة وجاهزة قبل محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن التي تذرعت بها تل أبيب لشن اجتياحها.
ومن أهم العبر التي تنطوي عليها هذه الوثائق أنها تؤكد مرة أخرى أن الكثير من الأحداث الأمنية تنطوي على أبعاد عدة، منها مُعلن موجَّه الى الرأي العام، وآخر خفيّ يكشف جانباً من الحقيقة، التي يراد لها أن تبقى مستورة.
الوثائق الجديدة تؤكد أن حكومة إسرائيل ورئيسها آنذاك، مناحيم بيغن، كذبا على الرأي العام الإسرائيلي بإعلانهما في حينه أن هدف العملية العسكرية عام 1982 إبعاد قوات منظمة التحرير الفلسطينية مسافة أربعين كيلومتراً عن الحدود. وتنطوي الوثائق، التي كانت محفوظة في أرشيف الجيش في وزارة الأمن، أن بيان حكومة إسرائيل من يوم بدء حرب سلامة الجليل (كانت في حينه تسمى عملية) في الخامس من حزيران 1982، تتضمن «إخراج كل مستوطنات الجليل من مدى نيران الإرهابيين المركزة، هم ومقارهم القيادية وقواعدهم، في لبنان». لكن في نهاية الأمر، اجتاح الجيش بيروت بعد أسبوع من ذلك، واحتلها كلها تقريباً.
ولفت موقع «واللا» العبري الذي نشر صورة عن الوثائق على موقعه أمس، أن الجيش الإسرائيلي نفذ ما أنيط به واحتل بيروت، إلا أنه عاد واضطر الى الانسحاب منها في شهر أيلول، بعد العاصفة الدولية التي ثارت في أعقاب مجزرة صبرا وشاتيلا.

وثائق عسكرية:
بيغن وحكومته كذبا حول هدف العملية

ويرد في إحدى الوثائق التي يعود تاريخها الى نيسان 1982، أي قبل شهرين من بدء الاجتياح، شرح تسلسل العملية العسكرية: «على الجيش الإسرائيلي القضاء على المخربين والبنية التحتية حتى الأوّلي وحاصبيا وكوكبا والجبل الوسطاني، في غضون 24 ساعة. ومن ثم الانضمام إلى المسيحيين (قوات الكتائب اللبنانية) في منطقة بيروت بعد ذلك بـ 24 ساعة، وعليه أن يحتل بيروت في غضون 96 ساعة منذ بدء العملية العسكرية (الاجتياح). وعليه أن يكون جاهزاً للقضاء على الجيش السوري في البقاع».
وحدَّدت أوامر العملية، التي لا يزال يطلق عليها «أورانيم»، شروط الانطلاق بالقول «في ضوء تزايد نشاطات المخربين المعادية في إسرائيل والمناطق (الضفة الغربية وقطاع غزة) وخارج إسرائيل، سيرد الجيش ويدمر المخربين في لبنان عبر هجمات سلاح الجو، وعبر الاستعداد لتنفيذ عملية أورانيم».
ونقل الموقع عن العقيد يهودا وغمان، الباحث في التاريخ العسكري، أنه كان للحرب «هدفان: سري ومعلن». وأضاف إن وزير الأمن في حينه، آريئيل شارون، كان يعمل ما يريد هو، مشيراً الى أن الوضع آنذاك «لم يكن مثلما كان عليه الوضع في عام 1967، عندما أصر رئيس الحكومة في حينه، (ليفي) أشكول، على رأيه في مقابل هيئة الأركان العامة للجيش». وأضاف الموقع، نقلاً عن مقالة كتبها وغمان في مجلة «معرخوت» العسكرية، إن الهدف المعلن للحرب كان إخراج مستوطنات الجليل من مدى مدفعية منظمة التحرير الفلسطينية، استناداً الى توافق جارف وسط الجمهور والحكومة. لكن كلما تعمّق القتال واستمر، أخذ يتضح للجمهور بأن هدف الحرب هو في الواقع، كما نقل عن شارون، «إقامة حكومة في لبنان، تكون جزءاً من العالم الحر، وتعيش بسلام مع إسرائيل». ولفت الموقع أيضاً الى أنه في آذار 1982، تم صوغ أمر العملية العسكرية التي عرفت بـ«أورانيم الصغرى»، التي لا تشمل احتلال بيروت أو الوصول الى طريق بيروت ــ دمشق: «نتيجة لإطلاق النيران على مستوطناتنا أو تنفيذ عملية بفعل نشاطات المخربين المعادية، يمكن أن يطلب تنفيذ العملية خلال 24 ساعة من أجل إبعاد نيران المخربين عن مستوطناتنا قدر الإمكان». وبالمقارنة بين الخطتين، يلاحظ أن هدف «أورانيم الصغرى» كان أكثر تواضعاً مما تم صوغه بعد شهر من ذلك، وهدفها «تدمير مخربين وبناهم التحتية حتى خط الزهراني، وكوكبا والحاصباني، وصولاً الى تطويق صور والنبطية والسيطرة على مناطق الليطاني وفتح ــ لاند».