العسكريون المخطوفون لدى «جبهة النصرة» إلى الحرية قريباً. هكذا بشّر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، اللبنانيين وأهالي المخطوفين أمس. غير أنّ مصادر قيادية في « النصرة» نقلت عن لسان أميرها في القلمون «أبو مالك التلّي» أن «ما يُشاع لا يعدو كونه وعوداً في الهواء». أعادت «النصرة» تكرار أن «كل ما لا يُنشر على حساب مراسل القلمون بخصوص أي تقدّمٍ في ملف العسكريين الأسرى لا يُعوّل عليه وغير صحيح»، فيما وضعت مصادر أمنية نفي «النصرة» في دائرة «ضغوط اللحظة الأخيرة لتحصيل المكاسب».
ووسط نفيٍ وتأكيد، علمت «الأخبار» أن المفاوضات لتحرير العسكريين المخطوفين وصلت إلى نقطة غير مسبوقة، كاشفة أنّ «البحث وصل إلى حد الاختيار بين من يُطلق قبل من: النساء الموقوفات أم الرجال الموقوفين؟». وذكرت المعلومات أنّ قيادة الجيش تسلّمت لوائح تضم أسماء خمسين موقوفاً، ستكون بينهم جمانة حميّد، ابنة عرسال التي ضُبطت على مدخل البلدة تقود سيارة مفخخة بالمتفجرات العام الماضي. وكشفت المعلومات أنّه اتُّفق على الأسماء، مشيرة إلى «استحالة أن يكون الموقوف نعيم عباس أو الأمير الشرعي لـ«كتائب عبدالله عزام» جمال الدفتردار ضمن صفقة التبادل». اللواء إبراهيم قال علانية إن المفاوضات تكاد تُنجز مع «النصرة»، لكنّه حسم أن لا مفاوضات مع «الدولة». لكن في موازاة ذلك، حصل تطوّر بارز على ساحة القلمون، الأمر الذي قد يؤدي دوراً في مصلحة حلحلة ملف المخطوفين التسعة لدى تنظيم «الدولة». فقد فاجأ أمير «الدولة الإسلامية» في القلمون الشيخ أبو وليد المقدسي الجميع عندما نشر أمس تسجيلاً صوتياً بعنوان «اسمعوا منّا ولا تسمعوا عنّا»، معلناً فيه انشقاقه عن «الدولة» واعتزاله التنظيم وتبرّؤه من جرائم عناصره ليُصبح من عوام الناس.

البحث وصل إلى حدّ الاختيار بين من يُطلق قبل: النساء الموقوفات أم الرجال الموقوفين؟

«الجهادي» الأردني قالها بالفم الملآن: «إن العناصر المنتمين إلى تنظيم الدولة في القلمون هم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق». كلام المقدسي لاقى انتشاراً منقطع النظير عند الجهاديين المناوئين لتنظيم «الدولة»، ولا سيما أن الأخير يُتداول عنه في أوساط الجهاديين مغالاته في التكفير والتشدد، ناسبين إليه تكفيره «النصرة» واعتبارهم مرتدّين فور توليته الإمارة عند قدومه وبعد تصفيته أمير «الدولة» الأسبق أبو أسامة البانياسي. أبو الوليد، الأمير المنشق، اتّهم الجهاديين قائلاً: «اتفق الكل على ظلمي. صُوِّرتُ كأني شرٌّ مطلق». تحدّث عن اعتقال عرابة إدريس وتصفية المقنع وأبو أسامة البانياسي وغيرهم من الذين اتُّهم بالتورّط في اعتقالهم أو قتلهم. أحد أمراء أكثر التنظيمات تشدّداً، تحدّث عن الغلو في التكفير ليقول: «أنا من أشد المحاربين للخوارج وأحارب التكفير». اعتبر أمير «الدولة» المنشق أن «معركة عرسال استدراج من قبل مدسوسين لمعركة فاشلة في البلدة اللبنانية»، كاشفاً عن وجود «عناصر ضمن التنظيم يتواصلون مع صحفيين لنشر فضائح التنظيم». تحدّث عن فساد إداري وسرقات ونهب وبدع وسلب تُرتكب باسم الدين وبتورّط من قيادات في التنظيم. كشف عن دوره في محاولة إعادة تنظيم العناصر وتوحيد الصفوف، كاشفاً أنّه تمكن من رفع عديد التنظيم في القلمون من 85 عنصراً إلى 800 عنصر، وتحدث عن تأسيس «محكمة شرعية» و«معهد شرعي». ثم أضاف بصوت متهدّج: «القوم تخلوا عني وتآمروا علي». استعاد المقدسي كل الحوادث التي اتُّهم بها ليردّ التهم، مفنّداً تفاصيل كل حادثة على حدة، كاشفاً أنّه حكم على نفسه بالجلد في مكان عام لظلمه عرابة إدريس، قائد تنظيم «مغاوير القصير». خطوة المقدسي وتبرؤه من أفعال التنظيم لم تنطلِ على «النصرة» في القلمون وأنصارها. فقد أعاد هؤلاء نشر تسجيلٍ صوتي له يعلن فيه صراحة تكفير «النصرة» والحكم بارتدادها عن الإسلام، أي إباحة دم عناصرها، علماً بأنه كان أحد القياديين الشرعيين في صفوفها قبل الانشقاق عنها إثر الخلاف بين أمير «النصرة» العام أبو محمد الجولاني وأمير «الدولة» أبو بكر البغدادي. وتجدر الإشارة إلى أن «المقدسي» هو القيادي الذي التقاه أحد المفاوضين المكلّفين من الأجهزة الأمنية الوساطة في جرود القلمون منذ عدة أشهر. يومها كان الأخير الوصي على العسكريين المخطوفين، إلا أن المصادر تكشف اليوم أنّهم لم يعودوا في حوزته. وتتحدث المصادر عن معلومات غير موثوقة عن نقل ثلاثة عسكريين من المخطوفين التسعة لدى «الدولة» إلى الداخل السوري، وتحديداً في منطقة الرقة.
أما عن أسباب خروج «المقدسي» عن صمته، فتُرجعه المصادر إلى بدء انهيار التنظيم في القلمون نتيجة الصراع الدائر بينه وبين «النصرة»، ولا سيما أنّه تزامن مع حملة أطلقها أحد أبرز الإعلاميين في «النصرة» ضد من سمّاهم «بغداديي القلمون» تحت عنوان «غدر البغداديين لمجاهدي القلمون». وقدرت جهات أمنية أن ما استولى عليه عناصر هذا التنظيم يبلغ عدة ملايين من الدولارات من أموال أبناء عرسال التي حصّلوها بالنهب والقتل والخطف مقابل فدية. كل هذا يُعزز الغوغائية التي تحكم «دولة» القلمون التي كانت ولا تزال، في عيون التنظيم الأم «غير منضبطة ولا تُقام فيها الحدود».