باتت تطورات الحرب السورية على الطاولة اللبنانية اكثر من اي وقت مضى. كلا فريقي 8 و14 آذار يتصرفان على انهما معنيان بتسارع وتيرتها، وخصوصا بعد التراجع الملحوظ للنظام في عدد من المناطق، آخرها فقدانه محافظة ادلب بكاملها. لم يعد ثمة وقت، بالنسبة اليهما، الآن للداخل اللبناني والخوض في الاستحقاق الرئاسي، ويقاربان المرحلة المقبلة على انها عسكرية ــــ امنية بامتياز، وتنطوي على تداعيات سياسية اكثر خطورة.
لا يقل قلق حزب الله على صمود نظام الرئيس بشار الاسد اهمية عن استعجال تيار المستقبل وحلفائه ابصار النظام يسقط اولا ـــــ ومن بعده استطرادا حليفه اللبناني ــــ كي يتحقق له للمرة الاولى منذ عام 2005 انتصار كامل في الداخل. بالتأكيد لا يتوهم تيار المستقبل واي من حلفائه بأنه لاعب في الحرب السورية كي يؤثر في مجرياتها على نحو دور حزب الله. الا انه يجد نفسه اول القاطفين هنا ثمار الانهيار هناك.
يكمن الاهتمام المستجد بالوضع السوري، في مرحلة التعويل على تسارع الاعمال العسكرية، في بضعة معطيات يلتقي الفريقان على تحديد ملامحها، ويختلفان تماما على تقويم النتائج:
اولها، تبعا لمعلومات مستقاة من تقاطع امني ــــ ديبلوماسي، مفادها ان هجوما عسكريا كبيرا ستشنه التنظيمات السورية المعارضة، أخصها المتطرفة، على حلب في الايام الاولى من شهر رمضان يفضي الى اخراج الجيش السوري كليا من المدينة، وإحكام السيطرة على حلب وريفها ترضية للنفوذ التركي الذي يضطلع بدور مباشر في هذه الحملة، ما خلا مناطق السيطرة الكردية.

اول رمضان ايذان بمعركة حلب في الطريق الى حمص ودمشق


ثانيها، الانتقال الى مرحلة ثانية من الحملة هذه، هي حمص التي يتوقع ان تشهد بدورها حربا طاحنة كأحد الخطوط الحمر الرئيسية التي لا يزال نظام الاسد يتسلح بها. الا ان الاستيلاء على حمص المدينة يشكل باباً عريضاً على انهياره شبه الكامل. بيد ان سقوطها يعني كذلك سقوط كل الآمال في وجود خطوط حمر فعلية تحمي النظام، ما يشق الطريق الى محافظة اللاذقية التي لا تزال في منأى عن هذه الحرب.
الا ان الاهمية القصوى التي تنطوي عليها معركة حمص، خصوصاً اذا نجحت التنظيمات المتطرفة مجتمعة او منفردة في السيطرة عليها، هي فتح الطريق الى طرابلس وعكار ــــ وهنا تكمن مخاوف حزب الله ـــــ فتسقطان بسقوط حمص، وتتفلت فيهما فوضى التنظيمات المتطرفة امتداداً من هناك في ظل حدود مفتوحة مسيّبة. لا يقلل ذلك القلق من نشوء بيئة حاضنة ناجمة عن هذا الحدث، قابلة للتطور، لا تلبث ان تتحوّل موجة جارفة.
ثالثها، وصول نظام الاسد الى اعتقاد كان مثار مناقشات وتقويم مستفيض في الدوائر المغلقة لقراره، وبين الرئيس والقيادة العسكرية، رسم تصوّر المرحلة المقبلة منذ سقطت ادلب. يقضي هذا التصور الذي يصح بأنه يحمل النظام، للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب في آذار 2011، على التفكير في الانتقال الى PLAN B. لم يخطر في باله انه سيقترب منه يوما، ويجد نفسه في حاجة ماسة اليه.
ما سرى في اوساط الرئيس السوري وقيادته العسكرية ان الجيش اهدر الكثير من قواه والويته وشتتها، وقدّم الوفا من ضباطه وعسكرييه، واستنزف قدراته على التحرك طوال اكثر من اربع سنوات من دون اعلان وقف واحد للنار حتى، يخوض الحرب على امتداد المساحة السورية الشاسعة المسيّبة الحدود من العراق وتركيا، ومن الاردن الى حد، ويحاول اليوم تضييق رقعتها مع لبنان من خلال دور حزب الله.

بات النظام مقتنعاً بالانسحاب من مناطق غير استراتيجية
بات لدى النظام اقتناع جازم بأن عليه التخلي عن الدفاع عن مناطق يعدّها غير استراتيجية، او اصبحت كذلك، والحري انه لم يعد يسعه الدفاع عنها سواء لبعدها عن سلطته المركزية في دمشق او بسبب التعب الذي اصاب الجيش. تاليا في وسع الاخير الدفاع عن المدن الرئيسية كدمشق وحمص وحماه واللاذقية والساحل وحلب وبعض مناطق الجنوب، ويترك للمسلحين المتطرفين الرمال والكثبان، في اشارة الى الارياف والمناطق النائية والصحراء. تقول خلاصة التقويم ايضا ان في الامكان الدفاع عن المدن الاستراتيجية والحؤول دون سقوطها.
رابعها، من غير المستبعد ان تكون موسكو وطهران على صلة مباشرة بهذا التقييم، وهما المعنيتان عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا في الداخل والخارج باستمرار النظام وتوفير كل الامكانات اللازمة لتجنيبه الانهيار. ترتكز وجهة نظر روسيا وايران على ان سوريا التي خبرتاها، ومن قبل خبرها النظام وحكمها بقوة، الموحدة والقوية، انتهت الى غير رجعة وسقط معها وهم سوريا الواحدة، والعودة بها الى تحت سلطة الرئيس الحالي. الا انهما متمسكتان، حتى الآن على الاقل، بقرار منع سقوط الاسد وانهيار نظامه من خلال منع سقوط دمشق. الامر الذي يحمّل معركة حمص ــــ متى اندلعت ــــ بعدا جوهريا، هو ان احتفاظ النظام بها لا يحمي دمشق فحسب، بل يمكّنه من احكام التواصل بين المدن الكبرى التي يسيطر عليه، ومن ثم طريقها الى الساحل السوري.