إعلان المقاومة اللبنانية، رسمياً، على لسان أمينها العام السيد حسن نصرالله، حيازتها لقدرات عسكرية جديدة، في مختلف المجالات، ولاسيما مجال صواريخ أرض-أرض، هو إشارة إلى أن الحرب المقبلة ستكون حرباً بملامح مختلفة تماماً عما عهدناه وشاهدناه في الماضي. وباعتبار أن السيد نصر الله لم يكشف على نحو دقيق سوى عن اسم واحدة فقط من هذه القدرات الجديدة، أي صاروخ فاتح 110، فهذا الصاروخ هو ما سنقوم بتحليله.
«الفاتح 110»: ما هو؟

صاروخ «الفاتح 110» هو صاروخ أرض – أرض يعمل بالوقود الصلب، ويعتقد أن إيران بدأت العمل عليه عام 1995، واختبرته بنجاح عام 2001، ودخل الجيل الأول منه مرحلة الإنتاج الواسع في صيف عام 2002. وجرى تطوير عدة أجيال أحدث منه، كان آخرها الجيل الرابع الذي اختُبر عام 2012، وفيما يراوح مدى الأجيال الأولى بين 200 كيلومتر و250 كيلومتراً، فإن مدى الجيل الرابع يصل إلى 300 كيلومتر. يبلغ قطر الصاروخ حوالي 610 ميلمتراً وطوله حوالي 880 سنتيمتراً، ووزنه أقل بقليل من 3.5 أطنان.
الصورة البانورامية الشاملة للمواجهة ستبقى سراً لن يتكشف إلا بعد الساعة الصفر
أما حمولة الصاروخ، فهي رأس حربي بزنة 500 كلغ من المواد الشديدة الانفجار.
وهناك مصادر غربية تقول إن الصاروخ قادر على حمل رؤوس غير تقليدية، أي كيميائية أو بيولوجية. أما نظام التوجيه الذي يستخدمه الصاروخ، فهو نظام يجمع بين التوجيه بالقصور الذاتي، وهو النظام المستخدم في صواريخ «سكود»، والتوجيه باستخدام أنظمة تحديد الموقع العالمية «GPS» مما يوفر للصاروخ دقة كبيرة في إصابة الهدف. وبدمج التوجيه الدقيق مع الرأس الحربي الكبير يتحول صاروخ فتح 110 إلى سلاح مخيف للغاية. وإن أردنا تشبيه راجمات الصواريخ بالمدافع الآلية الرشاشة، فإن صاروخ فاتح 110 جدير بتشبيهه بالبندقية القناصة.

«الفاتح 110» في ترسانة حزب الله

صاروخ «الفاتح 110» ليس أول صاروخ أرض – أرض يجري الحديث عن توافره في ترسانة حزب الله. فقد جرى الحديث خلال حرب تموز 2006 عن وجود صواريخ «زلزال»» في ترسانة حزب الله، وكان المراقبون يتوقعون أن يُستخدم في تلك الحرب، ولكن مسار الحرب يومها لم يظهر حاجةً إلى استخدامه. وفي السنوات التي تلت حرب تموز، كثر الحديث عن نقل المزيد من صواريخ «زلزال»» إلى حزب الله، بل تحدثت إسرائيل عن نقل صواريخ «سكود»، تحديداً صواريخ «سكود بي»، من سوريا إلى حزب الله. إذاً بماذا يتفوق صاروخ «الفاتح 110» عن تلك الصواريخ؟
يتفوق صاروخ «الفاتح 110» على صاروخ «سكود»، والصواريخ المشابهة، بكونه يعمل بالوقود الصلب بينما يعمل السكود بالوقود السائل. وهذا فرق كبير وجوهري. فالصواريخ التي تعمل بالوقود السائل تحتاج إلى فترة إعداد قبل الإطلاق، لا تقل عن نصف ساعة ويمكن أن تصل إلى الساعة، بعد الوصول إلى نقطة الإطلاق المختارة. حيث تُنصب منصة الإطلاق، ثم تجري تعبئة الصاروخ بالوقود الخاص به، الذي يُنقل في مركبة أخرى مرافقة. عملية الإعداد، المعقدة والطويلة، التي تستلزم بقاء عدة مركبات مكشوفة في نقطة محددة، لفترة طويلة نسبياً، كانت هي السبب في نجاح طائرات قوات التحالف، خلال عملية «عاصفة الصحراء»، باستهداف منصات صواريخ سكود العراقية، كما أن صواريخ الوقود السائل، حالما تعبّأ بالوقود لا تعود قابلة للنقل، إلا إن جرى تفريغها من الوقود خلال عملية أخرى أكثر تعقيداً، وعمليات التعبئة والتفريغ المتكررة تؤدي أيضاً إلى تآكل بعض أجزاء الصاروخ.
أما صواريخ الوقود الصلب، مثل صاروخ فاتح 110، فهي لا تحتاج إلى إعداد مسبق طويل أو معقد، إذ إن كامل عملية الإعداد للإطلاق، شاملة إخراج منصة الإطلاق المتحركة من مخبئها، مروراً بإعداد الصاروخ، وإدخال معطيات الهدف، وإطلاقه، تراوح بين دقيقتين إلى خمس دقائق. مما يعني أن الفترة التي يمكن خلالها كشف منصة الإطلاق فترة قصيرة جداً، إضافة لكون المركبة التي تستخدمها صواريخ فاتح 110 أصغر بكثير من المركبة التي تستخدمها صواريخ «سكود». وبالرغم من أن صاروخ «زلزال»»، بأجياله الثلاثة، هو أيضاً صاروخ يعمل بالوقود الصلب، إلا أن صاروخ فاتح يتفوق عليه لناحية الدقة بالإصابة. حيث تقاس دقة الصواريخ والمدفعية الصاروخية، وسواها، بما يعرف باسم «الخطأ الدائري المحتمل» «CEP» وهو عبارة عن رقم يشير إلى نصف قطر دائرة، مركزها هو الهدف، يتوقع سقوط الصاروخ فيها. وصاروخ «سكود»، على سبيل المثال، يملك CEP يصل إلى حوالي الألف متر. أي إن صاروخ «سكود» سيسقط ضمن دائرة نصف قطرها واحد كيلومتر، يقع الهدف في مركزها، وصاروخ «زلزال» يملك احتمال إصابة أدق بقليل من صاروخ «سكود»، بمقدار خطأ يراوح بين 0.5 و1 كيلومتر. أما صاروخ فاتح 110 فهو أدق بكثير، إذ لا يزيد احتمال الخطأ، CEP، على 100 متر. وسقوط رأس حربي بزنة نصف طن، ضمن هذه الدائرة، يعني دماراً محققاً، ولاسيما إن كان الهدف مطاراً عسكرياً، أو ميناءً بحرياً، أو محطات توليد كهرباء، أو مصانع كيميائيات. وهذه جميعاً تملك مساحة تصل إلى عدة كيلومترات مربعة، أي إنها ستصاب بكل تأكيد متى جرى استهدافها بـ «الفاتح 110».
قد يتساءل القارئ عن أهمية هذا الصاروخ ما دام أنه قد دخل ترسانة حزب الله منذ قرابة تسع سنوات. الإجابة هي أن ما تقوم به أي قوة عسكرية، بعد تدريب كوادرها على استيعاب سلاح جديد، هو امتلاك المزيد منه، والتوسع، في حالة الصواريخ، في امتلاك المزيد من منصات الإطلاق. وامتلاك منصات متعددة هو ما سيمكن حزب الله من إطلاق صليات من «الفاتح 110» لا إطلاقه على نحو إفرادي. وهذا يعني امتلاك حزب الله القدرة على استهداف، وتدمير، عدة أهداف في الوقت نفسه، أو إطلاق عدة صواريخ على قاعدة جوية إسرائيلية، لإخراجها من الخدمة، عبر توجيه الصواريخ إلى محطات الوقود، وأبراج المراقبة، والهنغارات، ومحطات الرادار في تلك المطارات.

«الفاتح 110» وسيناريو الحرب المقبلة

يعلم الخبير العسكري أن لكل سلاح سلاحاً أو تقنية مضادة، وأن أي سلاح، مهما بلغت قوته أو تقدمه، لا يستطيع حسم المعركة وحده. وهذا ينطبق أيضاً على صواريخ «الفاتح 110»، وهذا ما يحاول الخبراء العسكريون الإسرائيليون، اليوم، التعويل عليه عند تفنيد أهمية هذا الصاروخ، ولا سيما عند الحديث عن الطبقات المتعددة للدفاع الجوي الإسرائيلي، ولكن هذا جزء واحد فقط من المشهد. والجزء الآخر هو أن حزب الله، بكل تأكيد، سيستخدم صواريخ «الفاتح 110» ضمن منظومة شاملة، تشمل الصواريخ الأخرى، ولا سيما صواريخ الراجمات، مثل صواريخ فجر، أو صواريخ أرض – أرض الأخرى من طراز «زلزال». وإن كانت إسرائيل تعول على منظومة «شارڤيتكساميم»، العصا السحرية، التي كان اسمها سابقاً «مقلاع داود»، فهذه المنظومة لن تدخل الخدمة إلا في نهاية هذا العام.
وفي كل الأحوال، فإن حزب الله يستطيع استخدام تكتيك «إنضاب بطاريات الدفاع الجوي المعادية» وذلك عبر إطلاق صواريخ الراجمات، والصواريخ ذات الدقة المتوسطة، أولاً على المواقع المستهدفة فتقوم بطاريات الدفاع الجوي الإسرائيلي بإطلاق صواريخها لاعتراض الصواريخ القادمة. ولا يهم هنا نجاح هذا الاعتراض من عدمه، فالمهم هو أن تفرغ بطاريات الدفاع الجوي من الصواريخ. وبعد بضع دقائق، ستُطلَق صواريخ «الفاتح 110» لتعبر المجال الجوي الإسرائيلي بدون أن يعترضها شيء. وتكتيك إنضاب بطاريات الدفاع الجوي هو تكتيك استخدمته إسرائيل على نحو واسع في حرب عام 1973، واستخدمته الولايات المتحدة في حرب فيتنام، ومن المنطقي جداً أن نتوقع استخداماً ناجحاً له على يد حزب الله في المعركة المقبلة.
إذاً ترسم صواريخ «الفاتح 110» ملامح جديدةً تماماً للمواجهة المقبلة، بل ترسم ملامح جديدة في تاريخ حروب التحرير والمقاومة الشعبية وصراع الحركات والدول، ولكن الصورة البانورامية الشاملة للمواجهة ستبقى سراً لن يتكشف إلا بعد الساعة الصفر.
* كاتب سوري