ما الذي سيحصل الآن؟ هيئة التنسيق النقابية دخلت في عطلة «العيد» حتى 29 الجاري. قررت أن لا تستعرض قوّتها مجدداً في التظاهر إلا بعد 11 يوماً، أي قبل يوم واحد فقط من نهاية المهلة المحددة للجنة النيابية _ الحكومية، التي كلّفها مجلس النواب بإعادة درس سلسلة الرواتب ومصادر تمويلها. سيكون قد مرّ 13 يوماً من أصل المهلة المحددة بـ 15 يوماً من دون أي عمل، سوى انتظار ما ستقوم به هذه اللجنة والسعي للاجتماع معها.

هل هذه هي خطة العمل حقاً؟ هل هناك من يعتقد في روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين بأن عليه الانتظار فعلاً لمعرفة أن ما ستقوم به اللجنة هو بكل تأكيد أسوأ من الصيغة التي خلصت إليها اللجان النيابية المشتركة؟ يبدو أن هناك حاجة إلى التذكير بأن الـ 65 نائباً لم يرفضوا الصيغة المطروحة في مجلس النواب لأنها سيئة من وجهة نظر هيئة التنسيق النقابية، بل بالعكس، فهم رأوا أنها تعطي المعلمين والموظفين والمتقاعدين أكثر مما يستحقون، وأنها تقتطع من ريوع وأرباح أصحاب الرساميل والأثرياء من المطارح التي يرفضون أي مس بها. في حين أن الـ 27 نائباً الذين وافقوا على بتّ هذه الصيغة في الجلسة الأخيرة لم يوافقوا إلا على الصيغة التي رفضتها الهيئة.
يجدر بـ 220 ألف مستفيد/ة مباشرة من السلسلة أن يخافوا اليوم أكثر من أي وقت مضى على مصير حقوقهم، ما يجري درسه الآن، تحت إشراف النائب فؤاد السنيورة (وزير المال بين عامي 1993 و2004) ليس تصحيح الرواتب فقط، بل أيضا الملحقات والمنح ومعاشات التقاعد ونظام العمل والتدرّج ونظام الخدمة المدنية. بمعنى أنه يجري الآن درس أمور كثيرة بهدف الحد من الزيادة التي ستطرأ على الرواتب، والحد أيضاً من الزيادة التي ترتّبها على مجمل حصة الأجور من الإنفاق العام. يجدر الخوف ليس لأن هذا المنطق «المحاسباتي» هو الغالب على النقاش، بل لأنه بحجة ربط إقرار السلسلة بما يسمّى «إصلاحات» يجري التفكير باستهداف العديد من مكاسب وأنظمة الحماية للعاملين في القطاع العام، ولا سيما نظام التقاعد.
هذا لجهة المستفيدين المباشرين، امّا للبقية، أي أبناء الطبقة الوسطى والأسر الفقيرة، ولا سيما العاملين بأجر النظاميين وغير النظاميين في القطاع الخاص والعاملين لحسابهم في الخدمات المختلفة... فيجدر بهم أن يخافوا أكثر. فما يجري درسه، بحجّة تأمين تمويل السلسلة، ليس مواصلة تحييد الريوع والأرباح الطائلة من عبء ضريبي يمكن أن يساهم في رفع مستوى المعيشة العام وتعديل في بنية الاقتصاد والمصالح الكامنة فيه، بل أيضاً مواصلة عملية الانقضاض على الدولة الجارية منذ زمن طويل واستكمال السيطرة على ما تبقى من موارد وريوع وامتيازات عبر اشتراط تسريع الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص ورفع أسعار الكهرباء، وربما زيادة الضريبة على استهلاك الأسر، إذا كان الى ذلك سبيل.
هيئة التنسيق النقابية ليست مؤهلة للتصدي لهذه المخاطر إذا بقيت تحصر قاعدة تحرّكاتها وتركّز ضغوطها فقط على زيادة أجور من تمثّلهم والمحافظة على مكتسباتهم. ففيما هي تذهب الى العطلة وتهدد بالتظاهر بعد 12 يوماً من الآن، وفيما البقية يتصرفون على أن هذه المعركة هي معركة هيئة التنسيق النقابية... يقوم تكتّل المصالح في المصارف والعقارات والاحتكارات التجارية والأملاك العامّة بصياغة «الاقتصاد السياسي» للطوائف، ويعدّ العدّة للاحتفال بانتصاره الدائم.
هل حقّاً لا يوجد ما يمكن القيام به في المقابل؟ هذا السكون مقلق جدّاً.