في 21 آذار الفائت، شنّ الجيش التركي، مستخدماً الجماعات الإرهابية كمشاة، عدواناً مباغتاً على كسب؛ الهدف هو الاستيلاء على مساحات من الساحل السوري، وتهديد اللاذقية؛ جرى استيعاب الغزوة وتحديد آثار مكاسبها على الأرض؛ إنما كسب في أيدي التكفيريين الإرهابيين الآن، وسكانها الآمنون من الأرمن القدماء تحوّلوا لاجئين.
طلبت دمشق من طهران الإعلان عن موقف سياسي يدين التدخل التركي السافر؛ تذرّع الإيرانيون بأن موقفاً علنياً كهذا سيخرّب الجهود التي يبذلونها لوقف العملية التركية؛ لكن الحرب العثمانية تصاعدت أكثر؛ فتحت إشراف عسكري وإستخباراتي مباشر من الأتراك، جرى ويجري تنظيم ودعم العصابات التكفيرية الإرهابية، من نصرة وإخوان وشيشان وتركمان وفصائل أخرى، وتنسيق العمل العسكري في ما بينها لشن عمليات هجومية ضد الجيش السوري على عدة جبهات في حلب، تحت عنوان مشترك: «بتر الكافرين».
المعارك التي يخوضها السوريون على الجبهة الشمالية باتت صعبة للغاية؛ معارك كرّ وفرّ قد تهدّد الانجازات التي حققها الجيش السوري شمالاً، وتهدّد حلب كلها؛ حلب التي لا غنى عنها لإنجاز انتخابات رئاسية هي العنوان السياسي لانتصار سوريا المنتظَر على الإرهاب.
وفي شمالي شرقيّ سوريا، يواصل الإرهابيون السرقة المنظمة للنفط السوري الذي تنقله أساطيل من الشاحنات نحو تركيا التي تحصل، بذلك، على نفط رخيص جداً، بينما تحصد المنظمات الإرهابية، بما فيها «داعش»، مداخيل تسمح لها بتمويل نشاطاتها وتقديم الرشا لوجهاء المجتمعات المحلية؛ تحدث هذه اللصوصية الإرهابية التركية، تحت غطاء قرار أوروبي بالسماح لـ «المعارضة السورية» بتصدير النفط المسروق. وبينما يسعى الطيران السوري إلى الحدّ من عمليات نهب وتصدير النفط، من خلال قصف شاحنات المهربين، تعدّ الأوساط الأوروبية، ذلك، هجمات على المدنيين!
لم يعد هناك، على كامل الجغرافيا السورية، إلا بقايا قليلة لمعارضة سورية مسلحة ــــ بغض النظر عن أيديولوجيتها ــــ ما هو موجود، اليوم، بالدرجة الأولى، غزاة أجانب، تنظّمهم وتقودهم دولة إقليمية استعمارية حاقدة هي تركيا التي تحظى بالضوء الأخضر الأميركي والغطاء الفرنسي والأوروبي والتمويل القَطري؛ وأهدافها واضحة: منع النظام السوري من تحقيق انتصار سياسي، ونهب البلد، وتوسيع مناطق الاحتلال والضم، وحتى تحقيق أهداف إجرامية قديمة مثل مواصلة مطاردة وذبح الأرمن من كسب إلى حي الميدان في حلب.
كل ذلك يحدث وسط صمت إيراني يثير الحنق والعتب في دمشق التي باتت، خلال الشهر الأخير، أكثر اقتناعاً بأن ما يسمى «الضغوط الدبلوماسية السرية» على الأتراك، ليست ذات جدوى؛ فتركيا، اليوم، هي صاحبة الحرب الشاملة المغطّاة سياسياً، على سوريا؛ فلقد تم إغلاق الجبهة اللبنانية، ويشارك العراقيون اخوتهم السوريين في الحرب على الإرهاب، ويعاني الأردنيون من الإرهاب الراجع إلى ديارهم إلى حد قيام سلاح الجو بالتدخل لوقف المتسللين؛ وجهة هؤلاء المتسللين، عبر الأردن، قد تكون السعودية!
لم ينل رئيس وزراء تركيا، الدكتاتور الفاسد والعصابي والملتاث بالطموحات العثمانية، رجب أردوغان، سوى ما يقرب من 44 في المئة من أصوات الأتراك في الانتخابات البلدية، لكنه يعتبر أنه حصل على تفويض من الأمة؛ بالطبع؛ فالأمة، عنده، لا تشمل العلويين والأكراد والسنّة المعتدلين، وإنما تلك الكتلة الطائفية المتعصبة العثمانية الهوى وذات المزاج التكفيري. وهو يحكم الآن باسمهم. وطالما أنه اكتشف بأن عدوانه الصريح على كسب منحه فرصة التحشيد المذهبي الداخلي، فإن الحرب على سوريا تحولت ، عنده، إلى أداة لنيل رئاسة الجمهورية، وضرب المعارضين، وإعلان الدكتاتورية السلطانية.
ورغم ذلك، ما تزال طهران تنظر إلى تركيا كشريك أساسي في الصحوة الإسلامية، ولا تريد المغامرة بصراع سياسي مكشوف مع أولئك التكفيريين الأطلسيين العثمانيين الذين لا تزال إيران واهمة بأنهم حققوا تقارباً غير مسبوق، «عبر القرون الأخيرة»، في العلاقات الثنائية!
إيران، المتناقضة بين مصالحها الجيوسياسية الاستراتيجية ونظرية الصحوة الإسلامية، ستدفع، في النهاية، ثمناً باهظاً جداً، إذا ما استمرت تغازل عثمانيي أنقرة المجانين الحاقدين؛ هل ينبغي التذكير بأن المشروع العثماني بدأ، أصلا، بمجموعات من الغزاة الصحراويين المجرمين التكفيريين كموجة معادية لحضارة المشرق والعالم العربي؛ وفي هذه الموجة العثمانية الثانية ــــ التي أتاحتها التطورات الخاصة في هيكلية السيطرة الإمبريالية، واعتمادها المتزايد على الإرهاب، التكفيري في الشرق والنازي في الغرب، كأدوات حربية سياسية ــــ تخطط أنقرة للسير في المسار نفسه، من سوريا والعراق، نحو إيران! أردوغان اخونجي، طائفي حقود، ومجنون عثماني، ولا يمكن الثقة به لـ 24 ساعة. وهو يتبع، ككل اخونجي، تكتيك التمكين والانقضاض. وكما أسلافه القدماء، يعمل للتحشيد المذهبي واستخدام الإرهابيين وإثارة الفوضى والتوسع، والتحالف مع الأعداء الخارجيين ضد الاعتراض الداخلي؛ فصدامه مع القوة الإيرانية، إذاً، ليس سوى مسألة وقت.
طهران بتصديها للعثمنة الجديدة، لا تدافع عن سوريا، وإنما عن وجودها بالذات.