القاهرة ـــ «الأخبار» أفادت تسريبات منسوبة إلى الأجهزة الأمنية المصرية عن وجود مجموعة من التسجيلات من شأنها أن تربك الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. تتضمّن التسجيلات التي لم تعاينها «الأخبار» مكالمات مفترضة دارت بين مرسي بعد وصوله إلى سدّة الرئاسة، وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وإذا ثبت وجود هذه التسجيلات وصحّ ما سرّب من مضمونها، فإنّها ستكون عنصراً حاسماً بيد الادعاء في محاكمة مرسي التي تبدأ في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

حسب التسريبات الأمنيّة، تشمل المكالمات وعوداً من مرسي بعدم القبض على أي جهادي أو تكفيري، في عهده، وضمان الدولة المصريّة لحريّة تحرّّكهم وممارسة نشاطاتهم، إضافة إلى فتح معسكرات لتدريب الجهاديين، وعناصر موالية لهم، في سيناء.
ويتردد أن هذه الوثائق الصوتيّة المفترض وجودها في حوزة المؤسسة العسكريّة، ترفع النقاب عن طريقة الإفراج عن شقيق زعيم «القاعدة»، محمد الظواهري، بوساطة من رئيس ديوان رئيس الجمهورية حينذاك، رفاعة الطهطاوي. ضمن الأخير سهولة تحرك محمد الظواهري، وعدم مراقبته أيّاً كانت الأماكن التي يرتادها. وتفيد التسريبات أن التواصل بدأ من خلال الطهطاوي وأسعد الشيخة، أحد محركي الديوان الرئاسي. ثم تحدث مرسي مع شقيق الظواهري لمدة 59 ثانية بارك له فيها خروجه، وأكد له خلالها عدم ملاحقته أمنياً مرة أخرى، ووعده بأن يستقبله في وقت لاحق. وحسب المعلومات، ظلت مؤسسة الرئاسة على تواصل دائم مع محمد الظواهري، من خلال رفاعة الطهطاوي، وأسعد الشيخة.
وعلى ذمّة المصدر الذي سرّب هذه المعلومات لـ«الأخبار»، فإن أول اتصال جرى بين مرسي والظواهري كان بعد شهر واحد فقط من وصول الأوّل إلى سدّة الرئاسة المصريّة. ويبدو أن مرسي طلب دعم المجاهدين، في هذا الاتصال الذي استمر لمدة دقيقتين و56 ثانية، وشدّد على أهميّة مساندتهم لتنظيم الإخوان لتحقيق النجاح في مصر، فيما هنأه الظواهري على وصول الإخوان إلى الحكم، و«إزاحة العلمانيين الكفرة»، وتطرق الحديث أيضاً إلى ضرورة تمكين الإسلاميين من الحكم، على غرار إيران. وقال الظواهري لمرسي، حسب التسريبات: «اُحكم بشرع الله لنقف إلى جوارك، وليس هناك شيء اسمه الديموقراطية»، وحثّ الرئيس المصري الجديد على «التخلص من معارضيه».
انتهت المكالمة الأولى بتأكيد دعم تنظيم القاعدة للإخوان، خصوصاً عبر الجسر الممدود بين التنظيم الدولي للجماعة وأعضاء من «القاعدة». وعقب المكالمة مباشرة، تواصل نائب مرشد جماعة الإخوان خيرت الشاطر رسمياً مع محمد الظواهري، والتقاه مراراً بعد ذلك.
وحسب المصادر، فإن المكالمة الثانية بين محمّد مرسي وأيمن الظواهري تمّت بعد قرابة شهر ونصف شهر من سابقتها، وكشفت عن التعاون المشترك بين الرئاسة والإخوان من جانب، وتنظيم القاعدة من جانب آخر، لـ«خلق خلايا داخل البلاد تحمي نظام الإخوان».
ويبدو أن الرئيس المصري آنذاك عاتب زعيم القاعدة على خلفية مهاجمة الأخير نظام الإخوان والقائمين عليه. وهنا تحدد المعلومات المسرّبة أن مرسي طمأن مخاطبه: «سنطبق الشريعة والشرعية، بما يرضي الجماعة، لكن نحن في مرحلة التمكين ونحتاج إلى مساندة كل الأطراف، ولا يجوز أن نطبق من الآن المنهج الإيراني نفسه، أو حكم طالبان في مصر».
من جهته، طلب الظواهري من مرسي الإفراج عن جهاديين مُعتقَلين، قائلاً: «لازم تفرج عن الجهاديين اللي كانوا في سجون (الرئيس حسني) مبارك، ولا بدّ من إخراج كل الإسلاميين من السجون، كضمان وعهد للتعامل، وتأكيداً لطي صفحة الماضي». وعقب ذلك، وعد مرسي بتسهيل عودة الظواهري إلى القاهرة.
وعلى ذمّة المصدر، فإن ما تكشف عنه المكالمات هو أن كل العناصر الذين أُفرج عنهم كانوا على لائحة أعدّها محمد الظواهري، بالتنسيق مع شقيقه أيمن، وعُرضت على الرئاسة التي صدقت على عمليات عفو رئاسي لجماعات جهادية، بعد تنسيق مع الظواهري وتلك الجماعات.
وجرت مكالمة ثالثة ورابعة بين الطرفين، أكد خلالهما الرئيس المعزول أنه لن يُعتقَل أي جهادي في عهده، ولن يُضيَّق على الجماعات الجهادية، والسلفية الجهادية. وتعهد مرسي باستمرار التواصل الذي بدأ قبل تسلمه الرئاسة مع تلك الجماعات، وتعهد أيضاً بمنع ملاحقة الأمن للمجموعات المسلّحة في سيناء. وعندما طلب أيمن الظواهري فتح معسكرات في سيناء «لدعم الإخوة وتدريبهم»، كشف له مرسي أن تنظيم الإخوان ينوي «تشكيل حرس ثوري» لمواجهة أي محاولة للانقلاب على الشرعية، وطلب من الظواهري دعم الجماعات وتدريبهم، ووعد بإقامة معسكرات تدريب لهم في سيناء، وتأمين الدعم من تنظيم الإخوان، وتوفير كل التسهيلات لهم بالقرب من الحدود الليبية.
ويلفت المصدر الأمني إلى أن مرسي «وفّر بالفعل 4 معسكرات تدريب للجماعات الجهادية، وأوقف العديد من العمليات العسكرية في سيناء، على الرغم من علمه بوجود عناصر من تنظيم القاعدة هناك، وعمل على إنشاء جيش «من المجاهدين» للدفاع عن جماعة الإخوان والتنظيم داخل مصر».
وقبيل زيارة مرسي لباكستان، جرت المكالمة الخامسة بين الطرفين، فوعد مرسي مخاطبه، أي الظواهري، بمقابلته قبيل مغادرة باكستان، لكن هناك ما حال دون ذلك، فالتقى مرسي في الفندق الذي أقام فيه، وسيط زعيم القاعدة، لمدة ساعة ونصف ساعة، ثم تحدث هاتفياً مع الظواهري لمدة 43 ثانية، فجدّد الاثنان العهد على الدعم المتبادل بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة.
وعقب عودة مرسي، يلفت مصدر رسمي «الأخبار» إلى أن الرئيس المعزول أصدر قراراً رئاسيّاً بالعفو عن بعض الأسماء والشخصيات الجهادية، رغم التحذيرات الأمنية وتقارير الأجهزة السيادية. وضمت لائحة المفرج عنهم 20 شخصاً خطراً على الأمن القومي، وقدم التنظيم الدولي للإخوان دعماً مادياً بقيمة 50 مليون دولار لتنظيم «القاعدة»، لمساندة الجماعة في مصر.
وجرت المكالمة الأخيرة بين مرسي والظواهري فجر 30 يونيو، بحضور أسعد الشيخة ورفاعه الطهطاوى ومسؤول الأمن في الرئاسة. وتشير التسريبات إلى أن مرسي حرّض محاوره على المؤسسة العسكرية في سيناء، وطالبه بدعم شرعية الرئاسة، وإثارة الفوضى. ويبدو أنّه قال له: «في ناس عايزة تنقلب على الشرعية، ويجب القضاء على المعارضة، نطالب الجهاديين في كل مكان بمساعدتنا». وفي الوقت ذاته، أعطى مرسي إشارة تحرك العمليات الإرهابية في سيناء، فيما أكد تنظيم «القاعدة» وقتها أنه لن يسمح بسقوط مرسي، ولن يسمح بعودة الدولة العسكرية.
وتشير المصادر العسكريّة التي حاولت «الأخبار» التأكّد لديها من دقّة المعلومات الواردة أعلاه إلى أن الشيخة التقى محمد الظواهري فعلاً على أثر المكالمة، وطلب منه أن تقوم الجماعات الجهادية بحماية الرئاسة، وقمع كلّ أشكال المعارضة الممكنة. بدوره، التقى خيرت الشاطر، صباح اليوم نفسه، وفداً من الجهاديين، يذكّر المصدر، بحضور محمد الظواهري، وطالبهم بمساندة الجماعة والرئاسة، لمنع السقوط المبكر، ووعده محمد الظواهرى بذلك.