بعد انتظار دام أكثر من 12 سنة، وتأخير في إنجاز الأشغال بعضه مبرر وبعضه ليس كذلك، فوجئ سكان الضنية بارسال مجلس الإنماء والإعمار، المشرف على أشغال سد بريصا في أعالي جرود المنطقة، كتاباً إلى مصلحة مياه الضنية يخطرها فيه أنه سيسلمها السد ليصبح في عهدتها.
المفاجأة، وهي غير سارة بالطبع، لم تكن بأن المجلس أنهى أعمال السد الذي سيؤمّن المياه لري أكثر من 6500 هكتار، وينهي أزمة نقص في مياه الري تعاني منها المنطقة منذ عقود، وإنما لأن المجلس قرر تسليم السد للمصلحة وهو غير صالح للاستعمال بعد، نظراً الى عيوب كثيرة تشوبه.
أبرز هذه العيوب التي ظهرت في أشغال بناء السدّ، من غير أن تعالج برغم كونها أقرب إلى الفضيحة، أن أرضيته لا تضبط المياه المتجمّعة فيه، إذ تتسرب منه إلى باطن الأرض سريعاً، ما جعل مبلغ العشرة ملايين دولار التي صرفت لبناء السد تبدو وكأنها رميت في البحر.
في مطلع الألفية الثالثة وضعت الحكومة اللبنانية خطة عشرية لبناء 27 سداً وبحيرة في لبنان، من أجل تأمين مياه الريّ والشفة معاً، والاستفادة ما أمكن من مياه الأمطار التي يهدر معظمها، وتذهب إما إلى الأودية والأنهر وإما إلى البحر.
من بين هذه السدود اربعة، هي، إلى سدّ بريصا، سدود دار بعشتار في الكورة وسد بسري على نهر الأوّلي وسد الدامور.
سد بريصا الذي جرى توقيع تمويله من قبل الصندوق السعودي للتنمية في 5 شباط 2001، لم يبدأ العمل به رسمياً إلا في 1 تموز 2003، على أن ينتهي العمل به في غضون سنتين يجري بعدها الاستفادة من مياهه في مجال ريّ الأراضي الزراعية في موسم الجفاف، ويتم بعدها استعمال مياه نبع السكر في مياه الشفة وإيقاف استخدامها في مجال الري، بما يحل أزمتي مياه الري والشفة معاً بالنسبة للقرى الجردية تحديداً، المشهورة بإنتاج الفاكهة على أنواعها، والتي يعتاش سكانها بشكل رئيسي على الزراعة.
غير أن سد بريصا الذي كان التوجه في البداية أن يكون ترابياً ثم أدخلت تعديلات عليه كي يكون خراسانياً، بعد مطالبة مرجعيات وأهالي الضنية بذلك، كان يفترض تسليمه منتصف عام 2005 حسب العقد الموقع، لكن تأخيراً حصل نتيجة التوسيع الذي طرأ عليه أثناء تنفيذ الأشغال، وجعلت مساحته تتضاعف لتصل سعته بعد ذلك إلى نحو مليون و800 ألف متر مكعب من المياه.
في العام 2010، عرّف موقع «نقاط على الحروف» بمنسّق تيار المستقبل في الضنيّة نظيم الحايك، باعتباره من فريق العمل الذي واكب المشروع، ونقل عنه «أنّ هناك فريقا هندسيا مخصّصا يعمل لحلّ مشكلة أرضيّة السدّ» وهذا يعني ان تيار المستقبل كان يواكب المشروع ويعلم بوجود المشكلة التي يقول اتحاد بلديات الضنية انها لم تُعالج. سد بريصا الذي شيّد في منطقة ترتفع عن سطح البحر قرابة 2000 متر، جرت محاولات عدة لاستغلاله في البازار السياسي والإنتخابي. فقبل إنتخابات 2009 بأشهر قليلة تفقد النائبان أحمد فتفت وقاسم عبد العزيز الأشغال، وأعلنا أن السد سيتم تسليمه ويبدأ العمل به نهاية ذلك العام، لكن ذلك الوعد تأخر 4 سنوات كاملة!
التكتم على أسباب التأخير في تسليم السد سرعان ما انتهى نهاية صيف 2011، عندما تبين أن أرضية السد لا تضبط المياه كما يجب، وأن الكميات التي يجري تخزينها فيه سرعان ما تترسب إلى باطن الأرض في غضون يومين أو ثلاثة.
ومن أجل التعتيم على هذه الفضيحة وتبرير التقاعس في عدم فحص التربة قبل بناء السد في الموقع الذي تمّ اختياره، طرحت الشركة المتعهدة، وهي شركة «بادكو» المملوكة من أقرباء وزير المال السابق جهاد أزعور، باقتراحات من أجل معالجة مشكلة تسرب مياه السد، منها صب أرضيته بالباطون أو زراعتها بأعشاب خاصة تمنع تسرب مياهه، لكن أياً من هذين الاقتراحين لم يؤخذ به، لأن الأمر يتطلب تأمين أموال إضافية مرة ثانية لاستكمال بناء السد، وهو ما لم يحصل. هنا، وبدلاً من أن يقوم مجلس الإنماء والإعمار بمعالجة الخلل الحاصل، حاول الهروب إلى الأمام عندما أبلغ مصلحة مياه الضنية أنه سيسلمها السد بالحالة التي هو عليها، محاولاً نفض يديه من الأخطاء التي ارتكبها، بهدف تحصيل أموال بناء سد لم يكتمل، له وللشركة المتعهدة على حد سواء.
أولى ردود الفعل على ما حصل، والتي يتوقع لها أن تتفاعل وتتزايد في الأيام المقبلة، جاءت من نائب رئيس اتحاد بلديات الضنية حسين هرموش، الذي حذر مجلس الإنماء والإعمار من «محاولة إمرار تسليم مشروع السد قبل إنجازه»، و«محاولته تغطية الخلل الكبير الذي رافق تنفيذ المشروع، وأحبط كل الآمال التي كانت معلقة عليه من أجل تأمين مياه الري في المنطقة، وسد حاجات المزارعين»، داعياً المسؤولين إلى «معالجة الخطأ وتصحيحه، وليس ترسيخ الخطأ وغض النظر عنه، على حساب مصالح المواطنين».