عاليه ــ عامر ملاعبيدخل «فندق طانيوس» في عاليه ضمن تشكيلة مكوّنات ذاكرة «عروس المصايف»، هو الذي يقع على الطرف الشرقي منها، وصالاته شهدت أشهر المهرجانات الفنية مع كبار الفنانين والمشاهير. كان من أوائل من أدخل السينما إلى مناطق الجبل، وشكّل حركة سياحية ساهمت في شهرة المدينة على مستوى محلي وعربي، وقلبها النابض إلى مطلع الحرب الأهلية حين تحول إلى مركز يقطنه الجيش السوري، وبعدها بقي واقفاً طيلة الحرب وما بعدها مشلّع الأبواب والنوافذ.
بعد نهاية الحرب الأهلية في تلك الفترة، أعيد ترميم بعض الفنادق في المدينة، وكان الفندق عبارة عن بناء نخرته القذائف وأحدثت فيه فجوات وانهارت أجزاء من واجهته الرئيسية، ولم تُجدِ محاولات حثّ أصحابه على ترميمه لخلافات بين ورثته، ولا سيما بعد أن استعادت عاليه معظم معالمها السياحية والعمرانية، وظل البناء مستحضِراً زمن الحرب، فيما كانت عاليه في طور الانطلاق لتجديد حضورها السياحي، ومنذ الانتخابات البلدية في عام 1998، شهدت عاليه نهضة عمرانية وسياحية كبيرة، إلا أن الفندق قد شهد عملية ترميم لواجهته المطلة على الشارع الرئيسي، في إطار مشروع ترميم واجهات الأبنية في الأسواق الرئيسية في مناطق الاصطياف من خلال وزارة المهجرين.
الفندق اتخذ اسمه من صاحبه طانيوس الشمالي الذي كان يعمل نادلاً في أحد مقاهي البرج (الوسط التجاري لبيروت) قبل أن يرتقي سلّم الشهرة ويتمكن من استدانة مبلغ من المال لشراء الأرض، وبعد أن سدد ثمنها اقترض من عدد من أصدقائه مبالغ مكّنته من بناء فندق عصري بمواصفات تلك الفترة وتحديداً في مطلع الخمسينيات، وعاد وسدّد كل المال الذي اقترضه، ليعرف الفندق شهرة واسعة، لكن صاحبه لم يتزوج ولم يكن له وريث يتابع مسيرة والده.
ورشة هدم «فندق طانيوس» التاريخي في الشارع السياحي الرئيسي لمدينة عاليه مشهد يبدو صادماً ويستحضر الكثير من الأسئلة عن معلم تاريخي يمثل جزءاً حميماً من ذاكرة عاليه، وخصوصاً أن «فندق طانيوس» ارتبط كمعلم سياحي منذ الخمسينيات من القرن الماضي باسم المدينة.
الفندق اشتراه منذ أكثر من سنة رجل أعمال سعودي بهدف استثماره، إلا أن ثمة معطيات كثيرة حالت دون المباشرة بعملية الترميم الداخلية التقليدية، بعدما تبيّن تبعاً لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع أنه من المتعذّر أن يكون الاستثمار مجدياً إذا بقي الفندق على مواصفاته الحالية، إذ إن موجبات السياحة العصرية تفترض تأمين ليس الغرف الفاخرة والأثاث الجميل فحسب، بل ثمة ملحقات ضرورية لا بد من تأمينها أيضاً من مواقف سيارات وبنية تحتية داخلية للمبنى.
الجدير ذكره أن الفنادق في عاليه التي أعيد ترميمها أو تلك التي شيدت حديثاً بمواصفات عادية لم تتمكن من تحقيق أرباح، حتى إن بعض الفنادق ينتظر أصحابها مستثمراً خليجياً لبيعها، كما كانت الحال بالنسبة إلى فندق عاليه الكبير (الجبيلي) الذي أعيد ترميمه ولم يتمكن من الانطلاق برغم أهميته التاريخية والجمالية كمعلم عمراني ضخم وباذخ، وتحولت الفنادق المهمة الموجودة في مناطق الاصطياف في الجبل إلى ما يشبه قطاع الشقق المفروشة مع تقديم خدمات أكبر، حتى إن الفنادق الصغيرة لم يعد بإمكانها الصمود في السوق السياحية، إلا مدة أربعين يوماً تمثل الأيام الفعلية لموسم الاصطياف، وهذه الفترة لا تؤمن قيمة الكلفة التشغيلية السنوية لهذه الفنادق، في ظل تردّي قطاع الخدمات من كهرباء ومياه وغيرها.
عضو مجلس بلدية عاليه عصام عبيد أكد لـ«الأخبار» أنه «على الرغم من الظروف الصعبة، ما تزال الثقة بلبنان وعاليه موجودة لدى المستثمر العربي وهذا عامل إيجابي يصب في خانة أن لبنان ما يزال يمثل عنصر جذب للاستثمار السياحي. ومشروع «فندق طانيوس» يعدّ من المشاريع المهمة التي من شأنها أن تفيد في تأمين السياحة المستدامة، ما ينسجم مع تطلعاتنا كمجلس بلدي. وأكد أن «البلدية تقوم بتقديم كل التسهيلات المتاحة وفق ما يحدده القانون، وأن هناك استثمارات سياحية ستتبلور قريباً كمشاريع قابلة للتنفيذ».