«السبع»... فانتازيا أم حفلة تنكرية ساخرة؟

يجسّد باسم ياخور شخصية «السبع».
يجسّد باسم ياخور شخصية «السبع».

تعدّ الفانتازيا من أعرق الأنواع الأدبية وأقدمها، وقد نال هذا الصنف انتشاراً واسعاً ورواجاً كبيراً، من بينها مثلاً سلسلة «هاري بوتر» للبريطانية جاي كاي رولينغ التي حققت شهرة عالمية واسعة وأُنتجت منها 8 أفلام سينمائية. على مستوى الدراما السورية، تمكّنت مسلسلات الفانتازيا التاريخية من تحقيق نجاح شعبي غير مسبوق، منذ أن قدمت أعمالاً مثل «غضب الصحراء» (كتابة هاني السعدي، وإخراج هيثم حقي) و«البركان» (كتابة هاني السعدي، وإخراج محمد عزيزية)، ثم تجارب السعدي مع نجدت أنزور، وأبرزها: «الجوارح» و«الكواسر» و«البواسل» و«الفوارس».

بعدها، أفل نجم هذا الجنر لحين محاولة شركة «غولدن لاين» إحياءه في مسلسل «العربجي» (كتابة عثمان جحى ومؤيد النابلسي، وإخراج سيف السبيعي). أنتج من العمل جزأين حصدا جماهيرية واسعة، دفعت بالجهة المنتجة إلى تكرار التجربة هذا العام بمسلسل «السبع» (ورشة كتاب، وإخراج فادي سيلم) على أمل بيعه للتلفزيون السعودي الذي أنتج الجزء الثاني من «العربجي» ومحاولة إنتاج مواسم منه، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر حين اختارت الشاشة السعودية عرض مسلسل «ليالي روكسي» (ورشة كتابة، وإخراج محمد عبد العزيز)، فيما يعرض «السبع» على فضائيات عربية عدّة، منها «روتانا دراما» و«روتانا خليجية» و«رؤيا».

لكن 9 حلقات من المسلسل الذي روّج له صنّاعه على أنّه فانتازيا «تقارب الأجواء الشامية» كانت كفيلة بالحكم عليه، لا سيّما أنه يقدّم مقترحاً مربكاً على المستويات الفنية كافة. يبدأ العمل بفرضية مُستهلكة عن عائلة غنية عاجزة عن الإنجاب تسرق طفلاً من عائلة فقيرة وفقاً لصيغة مُكرّرة طرحتها الدراما الشامية مراراً. وإذا تجاوزنا ذلك، لن نستطيع التغاضي عن اختيار ممثلتين تنجبان في الحلقة الأولى وقد قاربتا الستين من العمر فيما فشل الماكياج في تصغيرهن. ثم تتورط العائلة الغنية بإحراق الأم الحقيقية وطفلتها بعدما يتورّط ابن هذه العائلة اليافع بقتل والده دفاعاً عن أمه والفرار إلى مكان مجهول، ليجد نفسه في ضيافة الغجر. هكذا، يقرّر زعيمهم «الفرّاز» احتضانه وتسميته «السبع».

ومع نهاية الحلقة ومرور السنين، يظهر باسم ياخور الذي يجسّد «السبع» بعدما اشتد عوده وصار قاطع طرق محترفاً يبرع في رمي السكاكين، في استعارة واضحة من شخصية «راندو» في المسلسل المكسيكي الشهير «كساندرا» الذي دبلج إلى العربية وعرض على المحطات السورية في تسعينيات القرن الماضي.

يتأجّج الصراع عندما يُقتل «الفرّاز» على يد «السبع» في مشهد يفترض أنه تراجيدي، لكن تنفيذه يبدو كوميدياً إلى الحد الأقصى عندما تخترق سكين «السبع» جسد معلّمه، فيموت ناسياً عينيه مفتوحتين! تسير الحكاية بعدها وفقاً لما يتوقع لها من نزاع لـ «السبع» مع زملائه قطّاع الطرق، ثم يعجز الإخراج عن صياغة بصرية تنسجم مع صنف الدراما التي يقدّمها. والحقيقة أن العمل يغرق في شبر ماء فعلياً، على اعتبار أن الحكاية المتخيلة تدور في مكان وزمان افتراضيَيْن من دون أن يتمكّن الجانب البصري من إيجاد هوية واضحة للقصة. على هذا المنوال، يجد المشاهد نفسه وكأنّه في العصر الحجري بسبب الأسلحة البيضاء من سكاكين وفؤوس عند قطّاع الطرق، وإن كان بعضهم حمل مسدسات.

في المقابل، توحي السلطة وزي وألقاب الضباط أنّنا في عهد السلطنة العثمانية عندما كانت تحتل بلاد الشام، لكن الأكواخ الخشبية التي تسكنها بعض الشخصيات تأخذنا إلى الريف الأميركي! أما الماكياج والأزياء والملابس والشعر المستعار، فتبدو أدوات لحفلة تنكرية ساخرة تكتمل معالمها مع الأداء الفج لعدد من الممثلين الذين يعتمدون على الأداء الخارجي، والاستعراض المجّاني، والصوت المبالغ فيه، والعيون الشاخصة، والصراخ والعويل...

أما الأداء المحترف لباسم ياخور وعبد المنعم عمايري وأمل عرفة ويزن خليل وحلا رجب ووفاء موصلي ولينا حوارنة وجفرا يونس ومصطفى المصطفى وجلال شموط، فلم يتمكّن من إنقاذ التهاوي الصريح في بنية الدراما والخلل الحاصل في بنائها، خاصة على المستوى البصري.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي