لا جديدَ على الجبهة السورية!

(كمال شرف ـ اليمن)
(كمال شرف ـ اليمن)

«أنقذونا من براثن منقذينا»
(نزيه أبو عفش)

لا جديدَ على الجبهة السورية. لم يتغيَّر أيُّ شيءٍ عمَّا وقع قبل أربعَ عشرةَ سنةً؛ مجرَّدُ تبادلِ أدوارٍ بين الضحية والجلاد. تأخَّر الثأر ثلاثة أشهر، وكان عدم وقوعه المباشَر أواخر العام الماضي مُستغرَباً، لكنَّه وصل أخيراً بعدما نما خلال مدة حضانته كأيِّ فيروس. يباهي به مقترفوه، ويوثِّقونه بالصور والفيديوهات، ليبقى زاداً للأجيال القادمة.

سيُقال لمن يقول أيَّ شيءٍ عمَّا حدث على مدى أيامٍ في مدن الساحل وقرى جباله: «لماذا صمتَّ عن أفعال النظام البائد؟» من قال لكَ إنِّي صمتّ؟

ثم شكراً لك، فأنتَ تؤكِّد لي بمقارنتك هذه ما أقول: لم يتغيَّر أيُّ شيء.

تأخَّر الثأر ثلاثة أشهر، وكان عدم وقوعه المباشَر أواخر العام الماضي مُستغرَباً

تغيَّر شكل النظام، لكنَّ بنيته لم تتغيَّر، ولم تتغيَّر بالتالي طريقة تعامله مع الأزمات، وكذلك خطاب رأس النظام خلالها، وتوقيت هذا الخطاب الذي لا يخرج إلا بالإكراه تحت ضغط الظروف لا محبَّة بالتواصل مع الناس، وهو يكون موجَّهاً إلى الخارج وإن كان يتذرَّع بمخاطبة الداخل.

وتغيَّرت أسماء أدوات النظام «الإعلاميَّة» الناطقة باسمه والمدافعة عنه، لكنَّها بقيت على تضليلها. تُركِّز على مُغلَّفَيْ رصاصتَيْن مُلقيَيْن على إسفلت الشارع، وعلى «مقبرة جماعية» تضمُّ جثامين أربعة عناصر من الأمن العام، وتتغافل عن عشرات الجثث المكوَّمة على جانبي الشارع، والمئات الأخرى المبعثرة في القرى المحروقة والمنهوبة البيوت.

يتكرَّر كلُّ شيءٍ إذاً. يدور العالم، ثم يعود إلى مكانه. ويدور مرَّة أخرى، من دون توقُّف. في المناسبة، هل تريدون أن أعطيكم نتائج التحقيقات التي ستتوصَّل إليها «لجنة تقصِّي الحقائق» حول المجازر الأخيرة؟

فاجئونا يا إخوة! فاجئونا مرَّةً واحدة بربِّكم! نشعر بمللٍ فظيعٍ في هذا العالم الحقير، فقولوا، رجاءً، شيئاً لا نتوقَّعه، ولا تجعلوا من حياتنا الهشَّة مراحل متشابهة سبق أن عشناها، لأننا بذلك لن نتقدَّم إلى الأمام بمقدار ذَرَّة. قولوا لنا مرَّةً واحدة، نحن المربوطون إلى الشاشات بحبال البصر: أخطأنا يا إخوة! أخطأنا أمام السماء وأمامكم أنتم الذين ما زلتم فوق التراب! أخطأنا بحقِّ مَن صاروا الآن تحت التراب.

قولوا لنا: لم ينتحر أعداؤنا الذين وُلِدنا ورضعنا وتربَّينا إلى جانبهم. لم يُفجِّر الابن رأس أبيه المُقعَد، ولم ينحر أمَّه الضريرة. لم يُخردق زوجته وأولاده الصغار بأمشاطٍ من الرصاص المجانيّ، ولم يقتلع عينَيْه ويُطلِق النار على ساقيه، ثم يحفر قبره ويستلقي فيه، قبل أن يردَّ التراب على وجهه.

الكتابة عبثٌ كامل، فعل لا طائل منه إلا إراحة مُفترَضة لضميرٍ مُتعَب. والكتابة عن المجازر تحديداً عبثٌ خالص، بل ما بعد العبث، إن كان ثمَّة شيءٌ بعده. القراءة أفضل من الكتابة دائماً، وأجدى نفعاً بما لا يُقاس، فكلُّ ما يجب أن يُقال سبق أن قيل. لا نفع من انتظار نتائج تحقيقات لجنة تقصِّي الحقائق إذاً وقراءة تقريرها، إذ سبق لأدونيس، ابن إحدى القرى التي عبرت الإبادة بالقرب منها، أن أجرى كلَّ ما يلزم من تحقيقات، وأشار إلى مكمن المشكلة منذ عقود.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي