مقالات للكاتب

أدونيس

الثلاثاء 11 آذار 2025

شارك المقال

امرؤ القيس في طريقه إلى قيصر

امرؤ القيس في طريقه إلى قيصر

تحية للعربي الذي لا حقّ له إلا حقّ النوم في قبره

أمسك الطفل بيدَي أبويه،
فجأة: القتل!
كان الربيع قد وصل إلى حديقة البيت،

انزل حقائبه، وأخذ يوزعها على الأشجار والنباتات
تحت مطر ينهمر من صدره وأطرافه.

كان الأبوان مأخوذين في حفل استقباله،
تخرج من الورد بضع ذكريات تنزل مع المطر بضعة

- أحلام
فجأة، القتل!
قال امرؤ القيس :
هوذا النهر - كأنّه يتدفق خَوْفاً. هُوَذَا جِسْمُ
لحجر يقشعر!

■ ■ ■


- القتل!
تابع امرؤ القيس:
ها هي غيمة تحضن العب ، ها هي شمس يتدفأ بها الكلام

■ ■ ■


- القتل!
هل يسجن النبع مجراه لكي يتحرّر؟
هل يقطع البرعم غصنه لكي يتفتّح؟
هل ينبذ العشب ترابه لكي ينمو؟
هل يحزّ الرضيع ثديي أمّه لكي يرضع؟

■ ■ ■


- القتل!
أجنحة تمر ليست من القطا وليست من النوارس.
رماد، رصاص، مآتم - يبدو كأنّ الأفق يحتضر

■ ■ ■


- القتل!
هل أخطأت، هذه المرة، أيضاً؟
تساءل امرؤ القيس، واستطرد قائلاً: أعطاني الربيع بواكيره، وأعطيتها إلى الورق.

■ ■ ■


- القتل!
صدّق أنه لا يفهم الروح، ظن أنه يفهم الجسد.

■ ■ ■


- القتل!
مريض - ممثل رئيس في مهزلة شاملة، أقنعة، ملابس تنكرية. خلافات، مشاحنات.
ما يكون دور هذا المريض؟ ما وجهه؟ ما أقنعته! ما هذا العالم؟

■ ■ ■

- القتل!
فاجأت الشجرة الليل يتسلل إلى سريرها.
فاجأ الحلم العين تفاجئ الليل.
فاجأ الرماد النار تفاجئ الوقت.
كان النبع يجفّ. كانت الريح تلتهم الريح.

■ ■ ■


- القتل!
تحلم الأذن بالنّغم. تحلم العين باللّون.
بالكلمات كلّها يحلم الجسد كلّه.

■ ■ ■


- القتل!
استيقظت امرأة عرفها امرؤ القيس وأحبّها،
خرجت إلى الشرفة. تستيقظ الشمس وتتقدم نحوها. تتوهج بطيئاً بطيئاً
وتغرق بين نهديها.

■ ■ ■


- القتل!
قال امرؤ القيس:
كان الحب عاصماً، وكانت عاصمة.

■ ■ ■


- القتل!
لو أننا نبعثر الكلمات كمثل القمح
لو أننا نأخذه معنا أنّى سرنا.
لو أننا نغسلها بالأمواج التي نغتسل بها.
لو أننا نلبسها كما تلبسنا الريح،
هل كنّا نخلق بها الكتابة التي نشاء؟

■ ■ ■


- القتل
دودة تنخر الحجارة، وما أجمل اسمها : بلحة البحر!
هل الأرض جسد أو كمثل الجسد؟
هل يتشكل الجسد من الغبار حقاً؟
هل الغبار فن في الخلق؟

■ ■ ■


- القتل !
امرؤ القيس مرآة. مرءٌ - مرآة، المرآة نهر:
أين صورتك يا هذا النهر ؟
أين معناك، يا هذه الصورة؟
وها هو النهر يكاد أن يصرخ:
هوذا أنا
بين النرجس والنرجس، والكلام المرآة.

■ ■ ■


- القتل!
سأل امرؤ القيس:
هل؟ أقرأ لكم ذلك الوجه الغائب
هل آخذه ماء يتموج، أم حجراً يتفتت، أم طيناً يعجن؟

■ ■ ■


- القتل !
قال امرؤ القيس:
هل خير أن أفتح للنسيان بحيرة، وأغرق فيها؟
هكذا، أعيش في أقاليم أخرى: أتحدث عن
الحجر بلسان الهواء، وعن الماء بلغة التراب.
أقول لكل شيء عن الهوَ بلسان الأنا، وعن الأنا بلسان الهوَ.
هكذا أستطيع أن أعلن : شققت غضب التحول طريقاً، ونذرت لها خطواتي .

■ ■ ■


- القتل!
قالت الطريق: اتركوني أرسم نفسي لا تقلقوا إذا آخيت الصخر واستبطنت الليل وعبرت الجبال ولم يكن ضوء. اتركوني، أتقدم في أعاصير تتحاور مع غبار أيامي. لا تخافوا إذا استدرت أو انحنيت أو ترددت أو احترت أو خطر لي أن أقول :
إن كان السّحر رملاً،
فالحقيقة تراب،
أو أشرت: تلك هي الحرية تدعوه، لكنه يخاف أنه يلبيها. أو ترمزت: كلا أيها التراب ليس لديك ما تنبئني به، أو أعلنتُ: سأقيم حفلاً لهذه النباتات حولي ولهذا الحصى حولها عيداً،
غبطة أن نسامر الحصى، فرح أن نعايش ورقاً يسقط فوقنا ويذبل مثلنا ويشاركنا المصير، نشوة أن تلتبس عليك نفسك.
-القتل ! القتل !تركوني قالت الطريق. أصغى امرؤ القيس لا تجزعوا إن تباين الشجر وتنوع العشب وتناقض الشوك والشوك.
اتركوني، قالت الطريق انتظر طائراً
يرمي ريشة بين الريح وبيني،
انتظر شمساً ترسل شعاعاً غريباً بين الأفق وبيني.
أنتظر ضباباً يفصل بيني وبيني.
وما أجمل أن تلتبس عليك نفسك.
اتركوني قالت الطريق استرسل في تفاصيل الأشياء، يستوقفني شيء يستعجلني شيء، أنكر شيئاً اسْتَسْلَمَ إليّ، ينكرني شيء استسلمت إليه.
- القتل! القتل!
قال امرؤ القيس
كيف يحوّل ذهنه إلى عشب أخضر أو يابس أو بين بين، ويستسلم لسعادة البقرة، أيها الثور؟
- القتل! القتل! القتل !

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي