مقالات للكاتب

هالة نهرا

الجمعة 31 كانون الثاني 2025

شارك المقال

فرج سليمان: يا... «مريم»

فرج سليمان: يا... «مريم»


أخيراً، أصدر الموسيقي الفلسطيني الشاب فرج سليمان (مواليد الرامة، 1984) ألبومه الجديد «مريم»، الذي كتب كلماته الكاتب والمسرحي الفلسطيني عامر حليحل.
قبل أشهر، أتمَّ الملحن والمؤدي والعازف تسجيل ألبوم «مريم» الذي كُتب نصفه الأول قبل شنّ الاحتلال إبادته على قطاع غزّة، ونصفه الثاني خلالها. أعلن صاحب «إسّا جايْ» أنّ الألبوم كان يريد التحدّث عن «مريم» الصبية التي تحب وتحنّ وتحلم في بلدٍ مركَّب، لكن مثل سائر الأمور في حياته هو وحليحل، تنقلب الدنيا وتتشرّد القصص، وتتناثر المشاعر بين الفقدان والعجز والموت، فيصطبغ الألبوم بسوادٍ حالك!

يشتمل العمل الموسيقي على عشر محطّات غنائية، تشارك في غناء اثنتين منها الراقصة والمعمارية الفلسطينية، ديمة زهران. تحمل أغنيات الألبوم عناوين: «حبّ معلَّب»، و«جبلي معك»، و«مع السلامة يا حب»، و«ومتل الحلم رحتي»، و«بعد في»، و«موسيقى آخر الحب»، و«حلمت فيكي الليلة»، و«بركض، بصرخ، مريم»، و«جايبلك معي»، و«وِنْعِدّ عمرين».

بمزيج من الطرافة والتواضع، يُحدّث فرج جمهوره على صفحته الرسمية على فايسبوك عن بداياته مع عامر حليحل، معترفاً بأنّ لقاءهما في عام 2014 أفضى إلى «إحدى أسوأ مسرحيات المسرح العربي، لا بل العالمي!». تطوّرت تجربتهما - وفقاً لأقوال سليمان - في مشاريع متنوعة تأرجحت بين المسرح والسينما والشعر والموسيقى... أمّا في عام 2024، فكانا يلتقيان يومياً في معظم الأحيان، والكثير مما ألّفاه قد امّحى وتبدّل. في المحصّلة، كانت ثمرة لقاءاتهما عشر أغنيات في الألبوم، وانطلاقاً من أنّ تعاونهما كان أساسه المسرح، تمظهرت الأغنيات مرتَّبةً بتسلسل قصّة واحدة تبدأ بالأغنية الأولى وتنتهي بالأخيرة.

كُتب النصف الثاني من الألبوم خلال الحرب الإسرئيلية على غزّة

شرْح سليمان يكتسب أهميةً كبيرة لاكتناه سياق الألبوم وخلفيته ومَنْبَته ومفهومه، ولإرهاف الإصغاء. بعض محطات الألبوم تزدان بجرعات من الدراما والقلق والأسى والقهر والألم، فيما يحتشد بعضها الآخر بالصُبُوّ والتطلّعات والشغف والجمال. اللغة بسيطة وسهلة، حيويّتها تقبع في اللهجة الفلسطينية، ويتحلّى الأسلوب بالسلاسة. أمّا التنغيم، فمثيرٌ للتأمل في ترجمة المجرى الدلالي موسيقياً بشكلٍ غير اعتيادي، يُبرز مهارة فرج سليمان وقدراته الواعدة.
يتّسم الألبوم بالعمق أيضاً، ما ينمّ عن عقل موسيقي جريء وإحساس فني ذي زخمٍ وصدى وتأثير، ولا سيما في أوساط الشباب. يلمس المستمع قوّةً في التوزيع الموسيقي، وطاقة لافتة في الأداء والعزف، رغم «مونوتونية» غناء فرج في بعض الجُمل الموسيقية والمقاطع، ما يستوجب المزيد من التدرُّب لتلوين الأداء وإغنائه، ولتوسيع مداه وتنويع وتمتين ميكانيزمياته ودينامكياته.

تكمن أهمية ألبوم «مريم» في انعتاقه من قيود السائد والتجاري والاستهلاكي، واندراجه في خانة التجارب الفنية المغايرة التي ترتكز على الجدية والاجتهاد والفرادة، ما يُحسب لسليمان منذ بداياته. ثمة تلاوين تعبيرية مختلفة للأغنيات حيث يجدل الموسيقي كلمات حليحل برؤيته المخالِفة للمعهود، علماً أنها تُظهر خصوصيةً تأليفية تنطبع في أفق التأليف الحديث الحرّ.

في حياةٍ معاصرة وطاحنة، يتبدّى عمل سليمان الفني برقاً في الحُلكة. يحتاج هذا الألبوم ومعظم نتاجات فرج سليمان إلى وعي وحساسية مختلفَين في التلقّي، وإلى ذائقةٍ لا تتوسّد الرائج. بطريقةٍ ما، وبمعنى ما - ولو كان مجازياً - يمكن اعتبار بعض محطات الألبوم فتْحاً جديداً في الأغنية الفلسطينية المعاصرة، مع التأكيد على أنّ أعمال سليمان أوسع بكثير من التصنيفات، والإسقاطات، والأطر التي يمكن أن تُزجّ فيها.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي