الحصار يُفرغ الأسواق: غزة تحت شبح الجوع

غزة | تعطي الأسواق في قطاع غزة صورة خادعة عن حقيقة الواقع المعيشي؛ إذ تزدحم رفوف المحالّ التجارية بالكماليات والمسلّيات، فيما يقضي الأهالي نهار رمضان بحثاً عن طعام يصلح للفطور. ويقول المواطن الفلسطيني، أحمد عبد اللطيف، المقيم في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، لـ»الأخبار»، إن «الأسواق مليئة بالشوكولاته والمسلّيات والمكسّرات، ولكن لا توجد فيها قطعة لحم واحدة. الأولاد لم يتذكّروا بعد طعم اللحوم، الذي سُمح به لفترة وجيزة إثر انقطاع دام 15 شهراً في الحرب، ثم انقطع من جديد بفعل الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع»، مضيفاً أثناء تجواله في السوق: «يبدو أننا محكومون بالعدس والخبيزة. وخلال أيام لن نجد شيئاً نأكله سوى مأكولات الحرب».
وخلال 42 يوماً من وقف إطلاق النار، سمح جيش الاحتلال بدخول مختلف أنواع البضائع التجارية والمواد التموينية، من لحوم وخُضر وفواكه وألبان، لكنّ تلك الكميات كانت تكفي لحاجات الاستهلاك اليومي، وقد نفدت من الأسواق تماماً بعد ثلاثة أيام من إغلاق المعابر. ويوضح الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، لـ»الأخبار»، أن «اللحوم والخُضر والفواكه دخلت في وقت كانت فيه الأسواق متعطّشة بعد حرمان دام 15 شهراً، وكانت تلك الكميات تكفي للاستهلاك اليومي، وحتى ما زاد عن حاجة السوق، بيع بأسعار زهيدة في نهاية كل يوم، خوفاً من أن يفسد، لأن الكهرباء مقطوعة، فضلاً عن أن جيش الاحتلال دمّر المنطقة الصناعية وكل المخازن والبرّادات التي كانت تُخزَّن فيها البضائع».
جميع مخابز القطاع مهدّدة بالإغلاق خلال أيام
على أن الأزمة في القطاع تتجاوز ما هو متوافر في الأسواق من عدمه، حيث ضربت الحرب عصب الحياة المدنية وعجلة الاقتصاد، بعد أن فقد مئات الآلاف من العمال والموظفين وظائفهم، وأضحت عائلاتهم تعتمد على المساعدات والتكايا الخيرية في الحصول على حاجتها من الغذاء. وعليه، يعيش هؤلاء الحياة يوماً بيوم، مثلما يفعل المواطن محمد المختار الذي يقول: «قبل الحرب، كنت عاملاً وكان لديّ مدخول يومي أعيش منه حياة كريمة. وبعد تدمير الورشة التي كنت أعمل فيها، أصبحت حياتي متوقفة على الطرود الغذائية. العملة النقدية مفقودة، ولا يوجد أي مصدر للدخل». ويضيف في حديثه إلى «الأخبار»: «أنا وثلثا أهالي غزة من أمثالي نقف أمام شبح الجوع مع استمرار إغلاق المعابر».
والموظفون الحكوميون ليسوا في أحسن حال؛ إذ يقول محمد أبو الهيثم، وهو موظف حكومي يتقاضى راتبه من السلطة في رام الله، إن «البلد ليست فيه سيولة. ندفع 30% عمولة حتى نستخرج الراتب من البنك. يعني ما نحصل عليه بشكل شهري بعد الخصومات هو أقل من نصف الراتب، والحياة غالية جداً. كل شيء ارتفع ثمنه إلى الضعف»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»، أن «من يعيل أسرة مكوّنة من خمسة أفراد، لن يكفيه الراتب في هذه الظروف عشرة أيام».
وإلى جانب غياب السيولة، ينعكس التناقص المستمر في الكميات المتوافرة من الدقيق وغاز الطهو، على الأمن الغذائي يوماً بعد آخر، حيث أغلقت أربعة مخابز كبرى تعمل على الغاز أبوابها في شمال القطاع، وكذلك فعلت جميع المخابز العاملة بغاز الطهو في مدينة خانيونس، فيما يهدّد استمرار منع تدفق إمدادات الوقود، بقية المخابز بالإغلاق في غضون بضعة أيام، بحسب ما حذّر منه رئيس تجمع أصحاب المخابز، عبد الناصر العجرمي.
وفي السياق نفسه، نبّه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى أن المخزون الغذائي في غزة ينفد بسرعة كبيرة. وقال في مؤتمر صحافي عقده، أمس: «منذ 11 يوماً لم تدخل أي مساعدات إنسانية إلى القطاع. منْع إدخال الوقود يعني إغلاق الحضانات وتعطيل عمل المستشفيات. نحن نتّجه إلى أزمة إنسانية كبيرة في غزة».