صنعاء | بخلاف التفاؤل الذي ساد في خلال الأسابيع الماضية، ربّما تكون الأوضاع في اليمن متّجهة للعودة إلى ما قبل الهدنة التي دخلت حيّز التنفيذ مطلع نيسان من العام الماضي، في ظلّ التدخّلات الأميركية التي تَعتبرها صنعاء معيقة للسلام، والتلكّؤ السعودي عن تنفيذ موجبات الاستحقاقات الإنسانية. وعلى هذه الخلفية، صعّدت حركة «أنصار الله» من تحذيراتها أخيراً، مؤكدة أن صبرها بدأ بالنفاد، ومتوعّدة الرياض بـ«ضربات غير مألوفة» ردّاً على تحركات الأخيرة العسكرية والسياسية «العدائية» في المحافظات الجنوبية، وتنصّلها من تنفيذ تفاهمات رمضان التي أُبرمت مع الوفد السعودي بحضور الوسيط العُماني في صنعاء.وحمّل رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، السعودية مسؤولية انتكاسة جهود إحلال السلام، محذّراً من أن «الرياض هي التي ستدفع ثمن خضوعها للإملاءات الأميركية المعادية للسلام في اليمن». وأشار المشاط، في أكثر من حديث خلال الأيام الماضية، إلى أن «لدى صنعاء القدرة على ضرب أيّ هدف في أيّ نقطة في البحر»، مخاطباً الجانبَين الأميركي والسعودي بأن عليهما «أن لا يدفعا نحو التصعيد والدخول في مغامرات خطيرة تضرّ بكلّ المجتمع الدولي». ونبّه إلى أن «أيّ تصعيد قادم لن يكون المتضرّر منه الشعب اليمني فقط، بل الأضرار ستطال الجميع»، متّهماً أطرافاً إقليمية لم يسمِّها، وأخرى دولية، بـ«تعمّد إعاقة مسار السلام وإطالة معاناة اليمنيين». وخيّر المشاط السعودية بين «التحرّر من الوصاية الأميركية وضمان أمنها واستقرارها المرتبط باستقرار اليمن، أو دفع ثمن الخضوع وعدم الجدّية في السلام».
في هذا الوقت، تجدّدت التحذيرات من خطورة التحرّكات السعودية في المحافظات الجنوبية، والتي قد تعيد الوضع، بحسب مراقبين، إلى ما قبل اتّفاق جدة عام 2000، والذي ربط اعتراف اليمن بالسيادة السعودية على أراضيه المحتلّة منذ 1943، والتي تقدَّر مساحتها بأكثر من 400 ألف كلم، بالحفاظ على الوحدة اليمنية. ويرى مراقبون أن أيّ دفع سعودي نحو تجزئة اليمن سيقابَل بالعمل على استعادة جيزان ونجران ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الرياض، معتبرين أن تذكير المشاط، المملكة، بأن استقرارها مرتبط باستقرار اليمن يأتي في السياق المتقدّم.
عودة الوفد السعودي والوسيط العُماني إلى صنعاء لا تزال قائمة


وعلى رغم هذه الأجواء التصعيدية، فإن عودة الوفد السعودي والوسيط العُماني إلى صنعاء لا تزال قائمة بعد تخلّف الأول عن استكمال المشاورات في الوقت المحدّد، وفقاً لأكثر من مصدر سياسي. وتشير المصادر إلى أن الرياض عملت، خلال الأسابيع الماضية، على حشد المزيد من التأييد للخطوات التي يقودها سفيرها محمد آل جابر، محاوِلةً تأطير تلك الجهود بقرار عربي ينتظَر أن يَصدر عن القمّة العربية التي ستنعقد في مدينة جدة السعودية اليوم، وذلك في إطار مساعيها لفرض نفسها كوسيط سلام بين اليمنيين، وإجبار صنعاء على قبول هذه الوضعية وما يترتّب عليها، وهو ما ترفضه «أنصار الله»، مشدّدةً على ضرورة قيام السعودية بالتزاماتها بوصفها قائدةً للحرب.
وفي سياق ما تعمل عليه السعودية في هذا الاتجاه، ذكرت مصادر دبلوماسية أن لقاءً جمع السفير السعودي لدى اليمن بسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وذلك في مقرّ «مجلس التعاون الخليجي» في الرياض، حيث تمّت مناقشة «الخطّة السعودية للسلام» في اليمن، والتي تروّج لها المملكة. وتوضح المصادر نفسها أن خطّة الرياض الجديدة تحمل مضامين المبادرة السابقة نفسها، لافتةً إلى أن الجانب السعودي يحاول جعْلها مبادرة أممية، باعتبار هذه الخطوة آخر خياراته في حال فشَل الضغوط الدولية في تعديل موقف صنعاء من المقترح. وقد يدلّ على ما تَقدّم إعلان السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، استعداد بلاده لـ«لعب دورها في مجلس الأمن الدولي لإضفاء الشرعية على أيّ قرار جديد للمصادقة على أيّ تسوية سياسية شاملة تتوصّل إليها الأطراف اليمنية، بما يشمل رفع العقوبات من قِبَل المجلس»، مشيراً إلى أن «أيّ صفقة ناجحة في اليمن يجب أن تحتوي على اتفاق اقتصادي لتسوية الموارد اليمنية التي يمكن تقاسمها».