صنعاء | في ما يبدو منافياً لسياق «الإيجابيّة» التي ظلّلت ملفّات عديدة في المنطقة في الأيّام الأخيرة، بما فيها الملفّ اليمني، عادت مؤشّرات التوتّر لتتصاعد من هذا الأخير، وعلى رأسها تجدُّد تشديد القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وتصاعُد القصف السعودي على القرى الحدودية، فضلاً عن اشتعال بعض الجبهات في جنوب مأرب والضالع والساحل الغربي. وفي الوقت الذي كانت فيه سلطات مطار صنعاء تنتظر انفراجة جديدة تتيح لشركات الطيران العربية استئناف نشاطها في المطار، وتوسيع نطاق الرحلات الجوّية وخصوصاً التجارية منها منه وإليه، وجّهت السعودية إلى قيادة الخطوط الجوّية اليمنية في مدينة عدن بوقف قطْع تذاكر السفر من مكاتبها في صنعاء بشكل كلّي، الأمر الذي سيؤدّي إلى تعطيل ثلاث رحلات تجارية أسبوعياً إلى الأردن، ويجدّد بالتالي معاناة الآلاف من المرضى اليمنيين. وبالتوازي مع ذلك، رفض فريق تفتيش السفن التابع للأمم المتحدة منْح سفينة الحاويات «لامار» ترخيصاً للدخول إلى ميناء الحديدة، وفقاً لمصادر ملاحية في «مؤسّسة موانئ البحر الأحمر». وردّاً على تلك الخطوات، طالبت حكومة الإنقاذ، المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، بالتدخّل سريعاً لإنهائها، مُهدِّدة بوقف التعاون مع المنظّمة الدولية. ولوّح نائب وزير الخارجية، حسين العزي، بأنه «في حال لم تفرج البعثة عن سفينة الحاويات، وتكرّرت إعاقة دخول السفن، فإن صنعاء ستضطرّ لإشعار البعثة بمغادرة البلاد وتعليق كامل أنشطتها».
يرجّح مراقبون اتّساع رقعة المواجهات من جنوبي مأرب إلى شمالي محافظة شبوة

على خطّ مُوازٍ، تجدّدت المواجهات العسكرية بين قوّات صنعاء والتشكيلات الموالية للإمارات في أطراف مديرية حريب جنوبي مأرب، في أعقاب محاولة الأخيرة استعادة عدد من المواقع والحاميات التي كانت سقطت تحت سيطرة الأولى قبل أيام. وأدّت تلك المواجهات إلى سقوط قرابة 45 قتيلاً وجريحاً من مُقاتلي «ألوية العمالقة» وصلوا إلى مستشفى عسيلان في محافظة شبوة، فيما لم تفلح تلك المحاولة في تغيير خارطة السيطرة الميدانية. وكانت قوّات صنعاء شنّت، منتصف الأسبوع الجاري، هجوماً في حريب، تمكّنت على إثره من السيطرة على ثلاث مناطق وُصفت بالاستراتيجية، وتقدّمت باتّجاه أخرى، في ظلّ غياب لنشاط الطيران السعودي - الإماراتي أتاح لها التقدّم بسهولة، وربّما يدفعها، في الأيام المقبلة، إلى توسيع رقعة المواجهات من جنوب مأرب إلى شمال محافظة شبوة، وفق مراقبين. وفي هذا الإطار، قال الخبير العسكري، العميد عبد الغني الزبيدي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «معركة حريب كانت مجرّد مناوشات بأعداد قليلة من الأفراد والمعدّات، إلّا أن قوّات صنعاء سيطرت على مواقع ومناطق هامّة في زمن قياسي، وهذا يؤكّد أنه في غياب الطيران يمكن لها أن تسيطر على ما تَبقّى من مأرب في حال قرّرت القيادة القيام بذلك».
والظاهر أن المواجهات الأخيرة التي جرت على مقربة من حقول النفط في شمال شرق حريب وفي نطاق مديرية عسيلان التي تتوسّط محافظات البيضاء وشبوة ومأرب، استنفرت الولايات المتحدة، التي وصل سفيرها تيم ليندركينغ، إلى عدن وعَقد لقاءات مع رئيس حكومتها معين عبد الملك، وعضو «المجلس الرئاسي» فيها سلطان العرادة، الذي لا يزال يتمسّك بمنصب حاكم مأرب. وطبقاً لوكالة «سبأ» التابعة لتلك الحكومة، فإن ليندركينغ ناقش مع العرادة مستجدّات التصعيد جنوبي مأرب، وسُبل إفشال أيّ محاولات تقدّم لصنعاء صوب الحقول النفطية في «جنة هنت» الواقعة بين مأرب وشبوة، والتي تُوليها واشنطن أهمّية خاصة.