على أنه حتى لو لم تكن حركة «أنصار الله»، المتحالفة مع إيران، هي التي سيطرت على اليمن بعدما خضع الأخير لنفوذ السعودية طوال ستّة عقود، كانت المملكة ستشنّ الحرب ضدّ أيّ طرف مُناهض لوصايتها. ولعلّ ذلك هو ما يفسّر خوض« التحالف» حروباً متفرّقة في المحافظات الواقعة تحت سيطرته منذ تسع سنوات، تستهدف المكوّنات الموالية له والمنخرطة في الحرب إلى جانبه، على رغم أنها لم تطالب إلّا بالشراكة في إدارة تلك المحافظات، معلِنةً رفْضها استقطاع الجزر الحيوية، وبناء قواعد عسكرية من دون اتّفاقيات رسمية. من هنا، يتأكّد أن «بعبع» إيران لم يكن إلّا خطاباً للاستهلاك السياسي والإعلامي، الهدف منه إيجاد مبرّر للحشد، ليس محلّياً فقط، ولكن حتى إقليمياً ودولياً، لمصلحة الحرب السعودية، على اعتبار أنها حرب استباقية.
كيف سيقنع «التحالف» الجماعات السلفيّة بأنّ إيران تحوّلت إلى «دولة جارة مسلمة وصديقة»؟
وعليه، وبعد سقوط الذريعة الرئيسة المعلَنة للحرب، ستجد الأطراف المحلّية الموالية لـ«التحالف» نفسها مرتبكة، وعاجزة عن تقديم خطاب يسوّغ أداءها، وخصوصاً أنها عبّرت في بيانات متفرّقة عن دعمها للمصالحة السعودية - الإيرانية. كذلك، يَحضر السؤال عن الكيفية التي ستقتنع بها الجماعات السلفية بمختلف مدارسها، بأن إيران تحوّلت إلى «دولة جارة مسلمة وصديقة»، فيما تلك الجماعات تقاتل في صفّ «التحالف» تحت رايات فكرية تكفيرية، تسعى من خلالها إلى استئصال «أنصار الله»، وفي ظلّ أدبيات ترى في إيران خطراً وجودياً يتجاوز خطر إسرائيل.
في المقابل، ترى إيران أن علاقتها باليمن تمتدّ لعقود، من دون أن تعكّر صفوها أيّ أسباب، سواء مع صنعاء أو مع عدن قبل عام 1990، حيث تمتّعت طهران بعلاقة متينة واستراتيجية مع عدن خلال حُكم النظام الاشتراكي للجنوب.
ليس هذا فحسب، بل إن إيران ظلّت على علاقة جيّدة مع حكومة هادي، حتى إنه بعد سيطرة «أنصار الله» على صنعاء بأشهر قليلة، زار السفير الإيراني عدن بدعوة من تلك الحكومة (برئاسة خالد بحاح آنذاك)، التي عرضت وقتها على طهران الاستثمار في موانئ المدينة، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة. وفي الوقت الحالي، لن يجد الإيرانيون معضلة في التعامل مع الحكومة الجديدة المنبثقة من «عملية السلام»، إذ ستعود العلاقة بين اليمن وإيران إلى سابق عهدها.
هكذا يبدو أن اليمن سيمثّل حجر الزاوية في البرنامج السعودي الجديد، فيما لن تتردّد الرياض في الدفع بالحكومة الموالية لها إلى العمل وفقاً لمقتضيات المصالحة مع إيران، والتي ستسرّع الدفع نحو تحوّل في الملف اليمني، إن لم يكن في صورة عملية شاملة تُحقّق السلام، فعلى الأقل اتّفاقات في بعض الملفّات، وتهدئة دائمة بين صنعاء والرياض.