تُجمع الأطراف الفاعلة على أن الحرب بصورتها الشاملة ولّت إلى غير رجعة
وكان ظهر القلق السعودي من النوايا الأميركية واضحاً، حين طلبت الرياض من صنعاء إبقاء التفاوض محصوراً بينهما، بعيداً من مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، حتى لا يفسد التواصل المباشر، على اعتبار أن غروندبرغ يتبنّى وجهة النظر الأميركية بالكامل. وممّا يزيد الوضع تعقيداً، موقف أبو ظبي التي تتعمّد وضع العراقيل أمام أي تسوية للملفّ الإنساني، وتتبنى الموقف الأميركي - البريطاني القاضي بربط هذا الملفّ بالمسارين السياسي والعسكري. ومع ذلك، تُجمع الأطراف الفاعلة على أن الحرب بصورتها الشاملة ولّت إلى غير رجعة، وأن جولة أو جولات الصراع المقبلة ستكون مختلفة تماماً عما كانت عليه خلال الأعوام الماضية. أيضاً، لا يخفي المسؤولون السعوديون نيّتهم الخروج من المستنقع اليمني نهائياً، إنّما الخلاف يتمحور حول الأكلاف المتوجّب دفعها. ومن هنا، ينشغل مركز القرار السعودي، هذه الأيام، بإيجاد صيغ تبعد عن المملكة المسؤولية الجسيمة عن كوارث الحرب التي اقتربت من إتمام عامها الثامن، خصوصاً أن القيادة السعودية تخشى من الأبعاد التاريخية للحرب، وما قد تحمله من تحديات مستقبلية لوحدة الدولة، على اعتبار أن المجتمعين السعودي واليمني يتشكلان من القبائل والعشائر، وأن الظواهر الثأرية تطغى أحياناً على توجهات الدولة السياسية والاستراتيجية. على أن ثمّة توجّساً آخر لدى قيادة المملكة، لا يقلّ أهمية عمّا ذُكر، وهو وجود خصائص استراتيجية تتيح لليمن، إذا ما توافرت الظروف، لأن يصبح في المستقبل المنظور دولة إقليمية منافسة.
بناءً عليه، تحاول السعودية تصوير حربها على اليمن على أنها شأن يمني داخلي محلي، وتجهد في الترويج لنفسها على أنها «مجرّد وسيط». لكن المملكة فشلت في تلك المحاولات إلى الآن، وهو ما يعزى إلى سببين رئيسين:
- الأول: نجاح صنعاء في إخراج المفاوض السعودي من وراء الستار واستدراجه إلى طاولة المفاوضات المباشرة بعد تمنّع طويل واستخفاف واضح بالطرف المقابل، ورفض للاعتراف به. وجاء ذلك في وقت لم تَعد السعودية تمتلك ترف المماطلة، وباتت تخشى تعرض داخلها للاستهداف المباشر والمستمر والموجع، وأيضاً بعدما يئست من تجاوب الجانب الإيراني معها. بالتالي، لم يعد أمامها سوى الاعتراف بسلطات صنعاء، ومعاملتها بندّية، والدخول في مفاوضات مباشرة معها، والموافقة على طلبها فصل المسار الإنساني عن المسارات الأخرى.
- الثاني: ظهور حكومة «الشرعية» بوصفها الحلقة الأضعف في المشهد، خصوصاً بعدما عجز «مجلس القيادة الرئاسي»، منذ تشكيله في مطلع نيسان من العام الماضي، عن تخطّي الكثير من العوائق والتحديات التي تعترضه، وهو ما أدّى بشكل تلقائي إلى خروجه من معادلة المفاوضات الحالية، على رغم وجود وعود سعودية بإدخاله في مفاوضات الحل النهائي.