تحوّلت حملة «سهام الشرق» التي أطلقتْها الإمارات ضدّ تنظيم «القاعدة» قبل حوالى خمسة أشهر، من «معركة خاطفة» إلى «حرب مفتوحة»، بعدما تورّطت في مواجهة دموية مع قبائل المنطقة الوسطى، التي وجدت نفسها ضحيّة لحملة عسكرية لم تلتزم بأدنى المعايير القانونية والإنسانية. وعلى رغم أن عمليات التصفية خارج نطاق القانون ليست جديدة، إلّا أن الهجوم الأخير على قرية امبقيرة، والذي قُتل خلاله أربعة من أبناء آل فحطان، استنفر القبائل جميعها التي أكدت أنها لن تسمح بجرّ المحافظة إلى مربّع صراع مفتوح، مماثل لِما تُراوح فيه بقيّة المحافظات الجنوبية منذ ثماني سنوات
بعد خمسة أشهر على انطلاق حملة «سهام الشرق» العسكرية المدعومة إماراتياً، تتّجه الحملة نحو التورّط في حرب دموية، لا مع عناصر تنظيم «القاعدة» أو المشتبَه في انتمائهم إليه فحسب، بل مع قبائل المنطقة الوسطى في أبين، والتي ارتُكبت بحقّ أبنائها إعدامات خارج نطاق القانون وجرائم مروّعة، كانت آخرَها قبل أيّام قليلة جريمةٌ جديدة أودت بحياة أربعة من أبناء آل فطحان في مديرية مودية. وعلى رغم أن العملية العسكرية لاقت في البداية ارتياحاً من معظم القوى الأمنية والسياسية والقبَلية في المحافظة، وشاركت فيها حتى التشكيلات المناوئة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» والإمارات، غير أن ممارساتها الميدانية، منذ انطلاقتها وحتى المجزرة الأخيرة، لا تبدو ناتجة من سوء تقدير فقط، بل يرى مراقبون أن ثمّة دفعاً إماراتياً نحو إدخال أبين في معركة دائمة، يُستنزف فيها جميع الأطراف، بمَن فيهم الموالون لها، وتَحرف مسار اهتمام القوى الجنوبية المتطلّعة إلى أهداف سياسية، سواء تمثّلت في الانفصال، أو حتى في مجرّد بناء المؤسّسات وإحلال السلام ووقْف الاقتتال الداخلي.
ولعلّ من أبرز المعطيات التي تُجلّي الدفع الإماراتي في هذا الاتّجاه، حرْص أبو ظبي على استقدام قوّات من خارج أبين، وتحديداً من الضالع وردفان ويافع، للمشاركة في العمليات العسكرية في المحافظة، في ما يمثّل محاولة من قِبَلها لنكْء الجراح المناطقية. ولم تكتفِ الإمارات بذلك، بل مهّدت الأرضية، عملياً، لبروز مقاومة ضدّ التشكيلات الموالية لها، ليبلغ عدد قتلى «سهام الشرق»، خلال أشهر قليلة فقط، المئات، بعدما تمكّن تنظيم «القاعدة» من التحصّن في مناطق جبلية، وتنفيذ عمليات كرّ وفرّ ضدّ عناصر الحملة باستخدام الكمائن والعبوات الناسفة. ومع أن أن عمليات التنظيم باتت مكشوفة، شأنها شأن معسكراته، إلّا أن أبو ظبي تركت القوّات التابعة لها تُواجه مصيرها، ولم تقدّم لها لا الدعم الاستخباراتي ولا التسليح الحقيقي الذي من شأنه أن يحسم المعركة، كما لم تشارك بطيرانها المسيّر ضدّ أهداف «القاعدة» الثابتة والمتحركة، الأمر الذي أثار موجة تساؤلات، ليس لدى المراقبين والمتابعين فقط، بل حتى مِن قِبَل القيادات العسكرية التي تقود «سهام الشرق»، والتي وجّهت رسائل متكرّرة إلى رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، من أجل مخاطبة التحالف السعودي - الإماراتي، والطلب إليه تقديم دعم للحملة.
ثمّة دفْع إماراتي لفتح معركة دائمة في أبين يُستنزف فيها جميع الأطراف بمَن فيهم الموالون لأبو ظبي


وكانت الإمارات أطلقت، في سياق «سهام الشرق»، عملية للتوغّل في المنطقة الوسطى من دون ضوابط، ووضعت قائمة ضمّت أسماء مئات من المشتبه فيهم بمَن فيهم أولئك الذي تركوا تنظيم «القاعدة» ولزِموا منازلهم، وحدّدت ما يقارب مئة منطقة كـ«أهداف مشروعة»، وأغلقت باب التفاوض مع القبائل والشخصيات السياسية لتدارك المواجهة. ووضَع ذلك قائدِي الحملة أمام خيارات ضيّقة، كادت تنحصر بين المواجهة والاعتقال، فيما الأخير يتخلّله دائماً تعذيب وحشي، يفضي في نهاية المطاف إلى تصفية خارج نطاق القانون. هكذا، تحوّلت «سهام الشرق» من «معركة خاطفة» إلى «حرب مفتوحة»، لتتّسع رقعة المواجهة، لا مع عناصر التنظيم فقط، ولكن أيضاً مع قبائل المنطقة الوسطى، التي دعت إلى اجتماع إثر الهجوم الأخير على قرية امبقيرة، والذي قُتل خلاله أربعة من أبنائها، ودُمّر عدد من المنازل، وهُجّر العشرات من السكّان.
وإذ أصدرت قبائل أبين بياناً استنكرت فيه ممارسات «سهام الشرق» ضدّ آل فطحان، مؤكّدة أنها «لن تسمح بجرّ المنطقة إلى مزيد من الفوضى»، فقد بدا أن الجريمة الأخيرة دقّت ناقوس الخطر بالنسبة إلى القبائل. صحيح أن هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها؛ إذ سُجّلت سابقاً انتهاكات مماثلة راح ضحيّتها قبَليون في أكثر من منطقة تعرّضت لهجمات عسكرية، لكنّ الواقعة الأحدث أماطت اللثام عن الوجه الحقيقي للحملة، التي يُراد لها أن تفتح معركة دائمة في المحافظة، على غِرار المعارك التي تشهدها بقيّة المحافظات الجنوبية منذ ثماني سنوات بلا توقّف.