لا يكاد يمرّ أسبوع من دون أن يَكمُن تنظيم «القاعدة» لقوات حملة «سهام الشرق» - التي أطلقتها الإمارات بهدف ظاهري هو «تحرير» بعض مناطق محافظة أبين من مقاتلي التنظيم -؛ إذ نصب، خلال الأيام الخمسة الماضية فقط، ثلاثة كمائن متفرّقة في مديريّتَي مودية والمحفد، راح ضحيّتها عدد من عناصر تلك القوات. ويأتي ذلك في وقت اتّضح فيه أن الحملة التي دشّنتها أبو ظبي في نهاية آب الماضي، على وقْع الانتصارات التي حقّقتها في مواجهة التشكيلات المحسوبة على حزب «الإصلاح» في شبوة، لم يكن الهدف منها واقعاً دكّ معاقل «القاعدة» في جبال مديريات أبين الوسطى وأريافها، بل - وفق تصريحات قيادتها - الاستيلاء على مواقع قوات «محور أبين» التي قاتلت الجماعات الموالية للإمارت شرقي مديرية زنجبار، منذ عام 2018 حتى توقيع «اتفاق الرياض» في الأوّل من تشرين الثاني عام 2019.على أن قوات «المحور» لم تقف في وجه الزحف الإماراتي بعدما قرّرت الرياض التزام الحياد، علماً أن الأخيرة تُعدّ الداعم الوحيد لتلك القوات، أقلّه إلى غاية تأسيس ما يسمّى «المجلس الرئاسي»، قُبيل شهرين من إطلاق «سهام الشرق». وبحسب مصادر مطّلعة، فإن تفاهمات ميدانية سريعة، عشيّة إطلاق الحملة، بين قيادات في «المحور»، ممثَّلة في سند الرهوة، وأبو مشعل الكازمي، ومحمد العوبان، والقيادات الأمنية والعسكرية التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، ممثَّلة بعبد اللطيف السيد، ومختار النوبي، وعبد الرحمن الشنيني، أفضت إلى وقْف المعركة بين الجانبَين، ولا سيما بعد وصول قوات «الانتقالي» إلى مشارف مدينة شقرة، المعقل الرئيس لتشكيلات «المحور»، والذي تزامَن مع تحليق مكثّف للطيران المسيّر الإماراتي فوق مواقع الأخير.
وعلى إثر وقْف المعركة، تمّ الاتفاق على مشاركة قوات «المحور» إلى جانب «الانتقالي»، في «سهام الشرق»، لتَدخل الحملة كلّ مديريات المنطقة الوسطى، قبل أن تصل إلى معاقل التنظيم في المناطق الجبليّة، وتحديداً في خبر المراقشة، ووادي عوميران، والمحفد، وتُعلن تطهير معسكرات «القاعدة» هناك. لكن المفاجأة أن التنظيم عاد ليشنّ مجدّداً هجمات متفرّقة، ويزرع عبوات ناسفة على طريق «سهام الشرق» شرقي مديرية مودية، وفي المحفد، الأمر الذي كبّد الحملة خسائر في العتاد والأرواح. وتجاوَز عدد ضحايا هذه الكمائن، وفق إحصاءات غير رسمية، الـ 200، بين قتيل وجريح، من بينهم قادة ألوية وكتائب، وهو ما دقّ ناقوس الخطر بالنسبة إلى قيادة الحملة التي اعتَبرت أنها «تُراوح مكانها»، ووقعت في ما يشبه الفخّ الذي دفعت أبو ظبي القوات الأمنية إليه، وفق ما أكده، لـ«الأخبار»، قياديّ في «سهام الشرق» فضّل عدم ذكر اسمه. وقال القيادي إن «أبو ظبي تركت الحملة في منتصف الطريق، بعد أكثر من ثلاثة أشهر، لتتحوّل المعركة إلى حرب استنزاف يقودها القاعدة ضدّ سهام الشرق»، لافتاً إلى أن الإمارات «لم تقدِّم للحملة سلاحاً لحسم المعركة، ولم يشارك طيرانها في ضرب تجمّعات القاعدة، ولم تقدّم حتى كاسحات ألغام»، متحدّثاً عن «توجُّه يقضي بعدم الحسم عسكرياً، ليس فقط من قِبَل سهام الشرق، بل حتى لدى القاعدة نفسه الذي تَوفّرت له الظروف لتنفيذ عمليات تستهدف معظم قيادات الحملة، وخصوصاً أثناء دخولهم مجتمعين إلى وادي عوميران، حيث كان عناصر التنظيم في موقع يمكّنهم من إبادتهم، إلّا أنهم أحجموا عن ذلك».
وبرأي متابعين، فإن الحملة لم تُطلَق من أجل ملاحقة «القاعدة» في أبين، وإنّما بهدف محاصرة القوات المحسوبة على «الإصلاح»، وذلك لأن عناصر التنظيم موجودون في الجبال والأرياف، وفق تفاهم بينه وبين الرياض وأبو ظبي في عام 2016، قضى بتسليمه المكلا وزنجبار وجعار، في مقابل خروج مقاتليه إلى المناطق الجبلية بأمان، وتأمين خطوط وصولهم إلى الجبهات الشمالية لمواجهة قوات صنعاء. والظاهر أن سيناريو المعركة الحالية لا يختلف كثيراً عما حدث في أبين خلال السنوات الماضية، حيث تقتضي الضرورة بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي تحويل المحافظة إلى جبهة مفتوحة، لا غالب فيها ولا مغلوب. والهدف، برأي محلّلين، يتعلّق بأهميّة أبين كمنطقة تفصل بين المحافظات الشرقية والغربية، فضلاً عن كوْن أبنائها يمثّلون العمود الفقري لعديد التشكيلات المناوئة للإمارات. ليس هذا فحسب، بل إن الرموز السياسية التي تتصدّر مشروع مواجهة أبو ظبي تنتمي إلى أبين، إضافة إلى أن هناك أهدافاً أخرى تتّصل بمصلحة السعودية والإمارات في بقاء التنظيمات الإرهابية نشطة في أبين وغيرها من المحافظات الجنوبية، لأن حضورها يعطي ذريعة لوجود قوات البلدَين في أهمّ المناطق الحيوية جنوباً.