يوماً بعد يوم، تتّسع رقعة الخلاف بين القوى المدعومة من الرياض، وتلك المدعومة من أبو ظبي، في المناطق الخاضعة لسيطرة «التحالف». وإذ لم تقتصر الخلافات على دمْج التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة للطرفَين في إطار واحد، مثّلت الصلاحيات المُعطاة لرئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، مشكلة يمكن أن تطيح توليفة المجلس، بعد تسريب مسودة قانون القواعد الناظمة لعمله، سواءً في ما يتعلّق بالتعيينات في المناصب القيادية الأولى، أو الحقّ في إعلان حالة الطوارئ. وهي صلاحيات أعطت للعليمي حقّ التصرّف كرئيس منتخَب لدولة مركزية، لا كرئيس مجلس قيادة لمرحلة انتقالية مؤقّتة، وفي مهمّة محدّدة: التفاوض مع «أنصار الله».وعلى رغم أن الانقسامات تعصف بتركيبة «الرئاسي» منذ الإعلان عن تشكيله، إلّا أن تسريب مسودة القانون المُشار إليها، أجّج الخلاف بين «المجلس الانتقالي» من جهة، و«الرئاسي» من جهة ثانية، بعدما رفض الأوّل كل ما جاء في المسودة، على اعتبار أنها لم تتطرّق إلى حلّ «القضيّة الجنوبية»، استناداً إلى ما اتُّفق عليه في مشاورات الرياض التي أفضت إلى تأسيس المجلس. غير أن حَرَد «الانتقالي» لم يتوقّف عند هذه الإشكالية، بل انسحب على بند منْع أيٍّ من أعضاء «الرئاسي» من قيادة أيّ وحدات أمنية وعسكرية، والذي يستهدف رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، بشكل مباشر، خصوصاً أن الأخير يتزعّم قوات أمنية وعسكرية لها السطوة الأولى في عدن، وهي فرضت، خلال الشهرَين الماضَيين، شبه طوق أمني على المدينة الجنوبية لتحدّ من حركة قيادة «الرئاسي» فيها، حتى أن العليمي نفسه لم يستطع التحرّك خارج مربع إقامته شبه الجبرية في قصر المعاشيق، ولم يتمكّن من زيارة أيٍّ من المؤسسات الحكومية، بل اقتصرت حركته على التنقّل بين القصر الرئاسي والمطار. وإن كانت المسودة تطرّقت إلى ملفّات تمثّل خطورة بالغة على سيادة البلد، إلّا أن «الانتقالي» لم يعلّق عليها، إذ إنه يعارض فقط ما يتعلّق بتجريده من نفوذه في المحافظات الجنوبية. أمّا البنود المتّصلة بصلاحيات الرئيس، مِن مِثل توقيع الاتفاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مع الدول، من دون موافقة مجلس النواب، فتمسّ سيادة البلاد وأمنها القومي، وتعطي للعليمي حقّ التصرّف في الحدود والجزر، فضلاً عن التصرّف في الثروة النفطية والغازية، إضافة إلى فتح البلاد على مصراعَيها أمام التدخلات العسكرية الخارجية.
تعمل اللجان الاقتصادية والعسكرية والأمنية كوزارات مصغّرة في ملفّات مهمّة بالتنسيق مع «التحالف»


في موازاة ما تقدَّم، يبرز دور اللجان الاقتصادية والعسكرية والأمنية، المشكَّلة من قِبَل الرياض وأبو ظبي لتقوم بدور موازٍ لعمل «الرئاسي» والحكومة ومجلس النواب، إذ تعمل كوزارات مصغّرة في ملفّات مهمّة بالتنسيق مع «التحالف». وشكّلت هذه اللجان واحداً من أهمّ أسباب استقالة السفير مصطفى نعمان من عضوية «هيئة التشاور والمصالحة» التي أسّسها «الرئاسي». ولفت نعمان إلى أن هذه اللجان تهدف إلى تحقير الوظيفة العامة، وتدمير ما تبقّى من مؤسسات عبر خلْق كيانات موازية. من هنا، يبدو واقع المجلس مفخّخاً بالتدخّلات الخارجية التي كبّلته ببنود وصلاحيات تحقّق بدرجة أساسية مصالح الرعاة الخارجيين، غير أن تلك الإشكاليات تقود «الرئاسي» نحو الانفجار، خصوصاً أن اللجنة العسكرية المشتركة المخوّلة دمج الميليشيات، لم تستطع، حتى الآن، عقد اجتماع لها، الأمر الذي يكشف عن صعوبة مهمّتها المتمثّلة في الهيكلة العسكرية والأمنية. ليس هذا فحسب، بل إن اللجنة لم تستطع خفض التصعيد ووقف الحشود المتبادلة بين الفريق المدعوم من الرياض وذاك المدعوم من أبو ظبي، في أكثر من محافظة جنوبية.