صنعاء | أخيراً، وبعد سلسلة اتصالات إقليمية لم تستثنِ أحداً، سحبت الإمارات الميليشيات الموالية لها من مديرية حريب جنوب محافظة مأرب، في ما يبدو تلافياً لضربة جديدة على غرار عمليتَي «إعصار اليمن» الأولى والثانية. وإذ تبدو أبو ظبي معنيّة بخطوة «انكفائية» من هذا النوع، بهدف حفْظ أمنها الذي يمثّل الميزة الرئيسة لهيكلها شديد الهشاشة، فإن هذه الخطوة تظلّ مرهونة بما سيَعقبها في الأيام المقبلة. وفي الانتظار، تبدي الأوساط المعنيّة في صنعاء تَشكّكاً حيال انسحاب «العمالقة»، مُذكّرة بأن الإمارات أعلنت غير مرّة نفْض يدها من الحرب، ثمّ عادت إلى توريط نفسها في المستنقع
أعلنت ميليشيات «العمالقة»، الموالية للإمارات، أمس، انسحابها من جبهات جنوب مأرب شمال شرقي اليمن. ونشر المركز الإعلامي التابع لتلك الميليشيات مقطعاً مصوَّراً يوثّق لحظات انسحابها من هناك، ونقلها آلياتها ومعدّاتها إلى ما سمّته «عرينها»، والمقصود به مدينة عتق، مركز محافظة شبوة. وبحسب أكثر من مصدر في صنعاء، فإن هذا الانسحاب يأتي في إطار وساطة تقودها قطر بين الإمارات وحركة «أنصار الله» من أجل خفْض التصعيد العسكري، عبر إثبات «حسن النوايا» من جانب أبو ظبي أولاً. إلّا أن «الأخبار « علمت، من مصادر في الحركة، أن لا اتّفاقات أُبرمت مع الجانب الإماراتي حتى الآن، مع عدم استبعاد أن يكون الانسحاب شكلياً بهدف تلافي مزيد من الضربات اليمنية.
وتأتي خطوة «العمالقة» بعد تهديدات جادّة تلقّتها أبو ظبي من صنعاء، أكدت فيها الأخيرة أنها تعدّ لعملية «إعصار اليمن» الثالثة، التي سوف تشمل أهدافاً واسعة في أبو ظبي ودبي وإمارات أخرى. وعلى رغم أن الانسحاب ربّما يمثّل استجابة لذلك التهديد، إلّا أنه يظلّ مشكوكاً فيه في صنعاء، نظراً لتجارب سابقة مع الإمارات أظهرت أن الأخيرة تلتزم المراوغة في كلّ سلوكها حيال اليمن، كما تَبيّن بعد إعلانها الانسحاب من الحرب في عام 2019. يُضاف إلى ما تَقدّم أن «أنصار الله» رفعت سقف شروطها لوقف ضرباتها المُوجَّهة إلى العمق الإماراتي، مُطالِبةً بانسحاب إماراتي كامل وغير مشروط، وتفكيك الميليشيات كافة التي أنشأتها أبو ظبي خلال السنوات الماضية، وهو ما يجعل الأنظار متركّزة على الحركة لمعرفة كيفية تعاملها مع الموقف الميداني الجديد، أو ما سمّاه البيان الصادر أمس عن الألوية المدعومة إماراتياً «إعادة التموضع».
تأتي عملية «إعادة التموضع في شبوة» بعدما تلقّت الإمارات ضربتَين كبيرتَين في عُمقها


وجاء انسحاب «العمالقة» بعد ساعات من تعيين قائد جديد لـ»اللواء الخامس» فيها - المتواجد في مناطق مديرية حريب التابعة لمحافظة مأرب -، موالٍ لنجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد عبدالله صالح. كما جاء بعد تغيير تسمية «النخبة الشبوانية» التابعة للإمارات، إلى ميليشيات «دفاع شبوة»، وضمّ تشكيلات عسكرية من «العمالقة» إليها، وفتْح أبواب التجنيد فيها لاستيعاب 15 ألف عنصر جديد من أبناء شبوة، وذلك في منطقة العلم في مديرية جردان وفي قاعدة بلحاف العسكرية. وكانت الإمارات وجّهت، قبل أيام، بإرسال لواء كامل من محافظة أبين إلى مديرية بيحان في محافظة شبوة، لتعزيز الميليشيات الموالية لها هناك، بالتزامن مع إعادة ترتيب الوضع العسكري في شبوة، تمهيداً لتسليمها لتيار طارق صالح، وهو ما يثير شكوكاً في صنعاء من أن تكون هذه الخطوات مقدّمة لتحويل بيحان إلى ساحة للاستقطاب والتدريب، ومنطلق لعمليات عسكرية جديدة ضدّ البيضاء ومأرب. وسبق تلك الترتيبات تصاعُد السخط الشعبي الجنوبي على إقحام «العمالقة» في معارك في نطاق مناطق تابعة للمحافظات الشمالية، خصوصاً بعد تعرُّض هذه الميليشيات لمقتلة كبرى في بيحان وحريب، على رغم أن مصادر جنوبية مطّلعة تقول، لـ»الأخبار»، إن «حريب كانت قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، تقع بمعظمها تحت سيطرة دولة الجنوب السابقة».
وتأتي عملية «إعادة التموضع في شبوة»، بعدما تلقّت الإمارات ضربتَين كبيرتَين، استهدفتا منشآت حيوية في إمارتَي دبي وأبو ظبي، ودفعتا المسؤولين الإماراتيين إلى بدء سلسلة اتصالات إقليمية، لم تستثنِ أحداً - حتى قيادة «أنصار الله - بهدف الحيلولة دون تعرّض بلادهم لمزيد من الضربات. كما أبلغت الإمارات، المعنيّين، أنها «بريئة» من المجازر الأخيرة التي ارتُكبت في غير منطقة يمنية، وأن السعودية تتحمّل مسؤوليتها وتتعمّد إيقاعها بهدف إعادة توريط الإماراتيين في المستنقع اليمني. ولم يكن هذا الاستنفار الإماراتي مستغرَباً، بالنظر إلى أن أيّ زعزعة، ولو محدودة، لأمن هذه الدولة الخليجية من شأنها تعريض بيئة الأعمال والاستثمار والسياحة - والتي تمثّل الركيزة الأساسية للبلاد - للخطر، وهو ما كانت ظهرت بعض بوادره خلال الأيام الماضية مع بدء تسلّل القلق إلى نفوس قاطني الإمارات، ودعوة الخارجية الأميركية مواطنيها إلى تجنّب السفر إلى هناك. اليوم، تتّخذ أبو ظبي خطوة إلى الوراء، لكن هذه الخطوة ستظلّ صدقيّتها وجدّيتها مرهونة بما ستحمله الأيام المقبلة، خصوصاً أن التقديرات في صنعاء تنحو إلى اعتبارها مجرّد تكتيك بهدف امتصاص الصدمة، والترتيب لجولة قتال جديدة.