لا تُوفّر السعودية، في الحرب الاقتصادية التي تشنّها على اليمن، أيّ وسيلة من وسائل العقاب الجماعي، والتي لا تُميّز بين يمني وآخر، وتَعمّ تداعياتها جميع المناطق، سواءً الخاضعة لسيطرة صنعاء أو الواقعة تحت يد السلطات الموالية للرياض، إلّا وتستخدمها. جديد الخطوات السعودية في سياق هذا النهج التعسّفي، قرار إنهاء عقود موظّفين يمنيّين في مناطق جنوب المملكة (عسير والباحة ونجران وجازان). وبحسب مصادر متعدّدة، فقد وجّهت السلطات إنذارات نهائية إلى جميع المنشآت السعودية في الجنوب، والتي لديها عمالة يمنية، بضرورة إنهاء عقود هؤلاء وكفالاتهم، تمهيداً لترحيلهم إلى اليمن خلال مدّة لا تتجاوز أربعة أشهر. ويُقدَّر عدد العاملين اليمنيّين في جنوب السعودية بنحو 800 ألف عامل، تسعى الرياض إلى استبدال عمّال من جنسيات أخرى بهم. ووفقاً للمصادر، فإن الإجراءات الجديدة تشمل، بالإضافة إلى الأساتذة الجامعيّين اليمنيّين في القطاعَين العام والخاص، الموظّفين في المستشفيات والمنشآت الطبّية، والعمّال في المنشآت التجارية المختلفة.وعلى رغم عدم صدور إعلان رسمي عن السعودية في هذا الشأن، إلّا أنه بات أمراً واقعاً وفق ما تداوله على نطاق واسع اليمنيون الذين يعيشون أو يعملون في المناطق الجنوبية السعودية، وكذلك أصحاب المتاجر والمولات والمراكز التجارية المختلفة، وخصوصاً في منطقة جازان، حيث أكّد هؤلاء أنّ الحكومة أمهلتهم فرصة ثلاثة أشهر من أجل الاستغناء عن العمالة اليمنيّة، التي سيتمّ تخييرها بين الترحيل إلى أماكن أخرى في السعودية، أو العودة إلى بلادها. ومن شأن القرارات الأخيرة أن تُلحق ضرراً كبيراً باليمنيّين المستهدَفين بها، كونهم سيضطرّون إلى بيع محلّاتهم وممتلكاتهم بثمن بخس والعودة إلى بلادهم. كما من شأنها التسبّب بأزمة معيشيّة جديدة لآلاف الأسر في اليمن، إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي يعيشها البلد منذ انطلاق الحرب في 2015. إذ وفقاً لتقديرات غير رسمية، فإن كلّ مغترب يمني في الخارج يعول نحو خمس أسر في الداخل اليمني.
ليست هذه المرّة الأولى التي تستخدم السعودية فيها قضية العمالة اليمنية لأهداف سياسية


وانتقدت العديد من المنظّمات الإنسانية والحقوقية اليمنية القرارات السعودية الأخيرة، معتبرة إيّاها دليلاً على «السلوك الاستعلائي والتمييزي» الذي تنتهجه المملكة بحقّ العمالة اليمنية. وبالتوازي مع ذلك، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم «السعودية_تطرد_اليمنيين»، والذي طالب من خلاله البعض سلطات صنعاء بإلغاء الاتفاقية التي فُرضت على اليمن وضُمّت بموجبها المحافظات الجنوبية الثلاث (جازان، عسير، نجران) إلى الأراضي السعودية. في المقابل، شنّ «الذباب الإلكتروني» الموجّه من السلطات السعودية حملة تشهير ظالمة بحقّ العمالة اليمنية، مكيلاً إليها اتهمات غير لائقة. على المستوى الرسمي، لم تفعل حكومة عبد ربه منصور هادي، كعادتها، إلّا أن لاذت بالصمت، تماماً مثلما فعلت إزاء قرارات مجحفة سابقة، لم يتوانَ بعض أعضاء تلك الحكومة عن تبريرها، كما حصل إبّان فترة التضييق السعودي على مئات آلاف اليمنيّين العالقين عند معبر الوديعة، بداية الصيف الحالي. في المقابل، تتحسّب حكومة الإنقاذ، التي دانت الإجراءات السعودية مطالِبةً الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية المعنيّة بالقيام بدورها إزاءها، لكلّ الاحتمالات. ولذا، فهي وجّهت بتشكيل لجان من الاختصاصات كافة لاستيعاب العائدين، الذين نبّهت صنعاء إلى أنهم يتواجدون في مناطق جنوب السعودية منذ عقود، ولهم ممتلكاتٌ عقارية وتجارية ورؤوس أموال مسجّلة بأسماء سعوديّين وفقاً لنظام الكفيل.
تجدر الاشارة إلى أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تستخدم السلطات السعودية فيها قضية العمالة اليمنية لأهداف سياسية. إذ سبق لها أن فعلت ذلك عام 1990 ردّاً على موقف صنعاء المؤيّد للنظام العراقي في اجتياح الكويت. وفي بداية عام 2014، عمدت وزارة النفط اليمنية إلى تنشيط عمليات الاستكشاف النفطية في عدد من المحافظات، ومن بينها الجوف، التي سرعان ما أعلنت شركة النفط اليمنية، «صافر»، وجود نطاقات هيدروكربونية فيها، واكتشافات غازية بكمّيات تُقدَّر بملايين الأمتار المكعّبة من الغاز يومياً. غير أنّ الذي حصل بعد هذا الإعلان، هو إصدار السعودية قانون عمل جديداً، تَبيّن أن الهدف منه طرد ملايين العمّال اليمنيين. وعلى إثر ذلك، بدأت الداخلية السعودية تجميع المغتربين اليمنيّين في أماكن عامة بطريقة مهينة ومذلّة، بغية ترحيلهم وطردهم، من دون أيّ مراعاة لحقوقهم. ولم تتوقّف الأزمة عند هذا الحدّ، بل حرّكت المملكة بعض القبائل الموالية لها، والتي تولّت تخريب أنبوب النفط الرئيس في مأرب، وتعطيل خطوط نقل الكهرباء فيها، والتي تغذّي معظم مناطق الشمال. وفي أعقاب تلك الضغوط، التي شملت أيضاً رشْو مسؤولين كبار في الدولة اليمنية، أعلنت شركة «صافر»، ومن دون تبرير، «التوقّف» عن استكمال عملية التنقيب في الجوف، مع العلم بأنّ الشركة لم تقترب من المنطقة الحدوديّة السعودية، وأبقت التنقيب على بعد 40 كلم منها.