صنعاء | وسط عجز شبه كلّي لدى السلطات الصحّية عن تقديم أيّ مساعدات للضحايا، حصَد وباء «كورونا»، خلال الأيام الماضية، أرواح العشرات من اليمنيين في مختلف أنحاء البلاد، فيما لا تزال أخبار ضحايا الموجة الثانية من الجائحة تتوالى يومياً، وتملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تَحوّلت إلى ساحات عزاء. وعلى رغم تجاوُز عدد المتوفّين أخيراً الـ1000، وتسجيل الآلاف من المصابين في عدن وحضرموت وتعز وشبوة وفق آخر إحصاء للجنة الطوارئ في مدينة عدن، إلّا أن الأرقام الحقيقية ربّما تفوق ذلك بأضعاف، وفق ما تُنبئ به المؤشّرات على الأرض؛ إذ إن نطاق الجائحة اتّسع هذا العام إلى مختلف المحافظات، وانتقل من المناطق الحضرية إلى الريفية، بسبب عدم اتّخاذ أيّ إجراءات للحدّ من انتشار الوباء من قِبَل حكومتَي صنعاء وعدن، وهو ما حوّل «كورونا» إلى خطر محدق بشرائح واسعة من السكّان.وخلال الأيام القليلة الماضية، فقدَ العديد من القيادات في حكومة الإنقاذ في صنعاء أرواحهم بسبب «كورونا»، وعلى رأس هؤلاء وزير النقل اللواء زكريا الشامي، فيما أُعلنت إصابة كلّ من رئيس الحكومة عبد العزيز بن حبتور، ووزير التعليم العالي علي شرف الدين، ونائب وزير الخارجية حسين العزي، فضلاً عن قيادات أمنية وأخرى قبَلية وأكاديميين وأطبّاء. وبينما تجاوَز الكثير من المصابين من الصفّ القيادي في صنعاء الخطر وتماثلوا للشفاء، فقدَ اليمن عدداً من أهمّ علمائه في مجالَي الأبحاث الطبّية والآثار؛ إذ خطَف الوباء الطبيب والمخترع اليمني، الدكتور خالد نشوان، الحاصل، عام 2006، على براءة اختراع جهاز سُمّي «نشوان باراسوند»، يقوم بمعالجة أمراض الشرايين من دون تدخُّل جراحي، وهو ما أكسب صاحبه عدداً من الجوائز العلمية العالمية. كما رحَل، بسبب «كورونا»، عالم الآثار اليمني، الدكتور يوسف الشيباني، وعدد كبير من الأكاديميين والقضاة والمحامين.
فقدَ العديد من القيادات في حكومة الإنقاذ في صنعاء أرواحهم بسبب «كورونا»


وإذ تحدّثت بعض المصادر عن أن انتشار الوباء في أوساط قيادات عليا في «الإنقاذ» منذ أسبوعين، جاء عقب لقاءات عقدتها الحكومة مع وفد أجنبي تابع لمنظّمة دولية، فإن وزارة الصحة لم تُؤكّد تلك الأخبار ولم تنفِها. كذلك، ادّعى العشرات من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن أعراض الأمراض التي أودت بحياة عدد من كبار مسؤولي الدولة ليست أعراض «كورونا»، مطالبين بسرعة الكشف عن ما وراء الظاهرة. وعلى رغم أن حديث هؤلاء عن «حرب بيولوجية» يظلّ مجرّد تخمينات غير مستندة إلى أدلّة علمية، إلا أن الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في صنعاء، يوسف الحاضري، شكّك، بدوره، في أن يكون «كورونا» وراء وفاة العديد من القيادات، داعياً، في تغريدة على «تويتر»، إلى تشريح الجثث لمعرفة «الأسباب الحقيقية»، معتبراً أن الموضوع «أكبر من مجرّد فيروس تجاوَزه اليمنيون».
وفي محافظة تعز، وتحديداً في المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة صنعاء، أودت الجائحة، أخيراً، بحياة العشرات. ووفقاً لمصادر حقوقية، فإن مقبرة السعيد تستقبل بشكل يومي ما بين عشرة إلى 20 ضحية للوباء. وبعدما تصاعَدت نداءات الناشطين للجهات الصحّية للتدخُّل، أقرّت السلطات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، تشكيل لجنة طوارئ لرصد الحالات، واتّخذت إجراءات احترازية كإغلاق الحدائق والنوادي والمتنزهات والمسابح وصالات الأفراح والأسواق الشعبية والأسواق البديلة والمولات العامة. وفي مأرب، انتشر الوباء داخل المدينة، حيث نقلت «وكالة الصحافة اليمنية»، عن مصادرها هناك، تأكيدها وفاة 18 من مجنَّدي وضبّاط قوات هادي جرّاء إصابتهم بـ«كوفيد - 19»، الذي انتشر بشكل كبير في مركز المحافظة، خاصة في حيّ الروضة وحيّ الزراعة جنوبي المجمع الحكومي. وقال أحد ضبّاط رئاسة أركان قوات هادي، ويُدعى علي بن محسن، في منشور على «فيسبوك» إن «الناس تتساقط في شوارع المدينة»، وإن «السلطات لا تكترث لموت المواطنين». وفيما لم تَتّخذ السلطات المحلّية التابعة لحزب «الإصلاح» أيّ إجراءات احترازية للحدّ من تفشّي الوباء، أقرّت بشكل مفاجئ حظر التجوال ليلاً، وهو قرار أعاده المراقبون إلى اقتراب المواجهات من مركز المحافظة.
وفي محافظتَي حضرموت وعدن، سُجّلت، أيضاً، خلال الأيام الماضية، معدّلات إصابة مرتفعة. وفي أعقاب وصول شحنة من لقاح «أسترازينيكا» إلى مدينة عدن، كدفعة أولى من ضمن 1.9 مليون جرعة منحتها الأمم المتحدة لحكومة هادي، تحدّثت مصادر محلية عن أن عدداً من الذين تناولوا اللقاح أصيبوا بجلطات دماغية وتوفّوا إثر ذلك، فيما أفادت مصادر أخرى بأن اللقاحات تسرَّبت من مخازن وزارة الصحة في عدن إلى الأسواق، حيث أصبحت الجرعة تُباع بأكثر من 60 دولاراً في الصيدليات. من جانبها، أكدت الأمم المتحدة أن عدد حالات الإصابة بـ«كورونا»، المُبلَّغ عنها أخيراً في اليمن، بلغ أكثر من ضِعف عدد الحالات المعلنة منذ بدء الجائحة العام الماضي، مستدركةً بأن البيانات الرسمية لا تعكس الواقع الفعلي، لأسباب عديدة منها القدرة المحدودة للنظام الصحّي، وعجز الناس عن الوصول، وعدم الإبلاغ، ومحدودية عدد الفحوصات.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا