صنعاء | أثار تقرير فريق الخبراء التابعين للأمم المتحدة جدلاً واسعاً في الأوساط اليمنية، فيما عكَس الدور الهش للمنظمة الأممية وتعاطيها السطحي مع القضية. فريق الخبراء الدوليين، الذي لم يكلّف نفسه زيارة صنعاء أو عدن خلال السنوات الماضية، اكتفى بنقل ما أُملي عليه من معلومات مضلّلة من الجانبين السعودي والإماراتي. كما تعامل مع اليمن كجزيرة خلفية للسعودية، فأسقط الكثير من الحقائق، فيما سوّق لهذه الأخيرة على أنّها دولة منقذة لليمن، متناسياً كلّ الكوارث الاقتصادية والإنسانية الناتجة عن عدوانها عليه. من هذا المنطلق، اقتصر حديثه عن الاقتصاد اليمني بتلاعب بنك عدن بعمليات السحب من الوديعة السعودية المقدّرة بملياري دولار، والتي قدّمتها الرياض، مطلع عام 2018. لكنّ اتهامات فريق الخبراء الدوليين لبنك عدن بالتحايل في عملية صرف الوديعة واستخدام طرق مشبوهة تندرج في إطار جرائم غسل أموال، نفاها الخبير الاقتصادي المقرّب من البنك، وحيد الفودعي، الذي أكّد لـ»الأخبار أنّ «الفريق استند إلى فارق سعر صرف الدولار المقدّم من البنك المركزي للتجّار بأقل من سعر صرف الدولار في السوق الموازي في اليمن»، معتبراً تلك السياسة تنفيذاً لشروط مقدّم الوديعة. لكنّة تحدث عن مخالفات أخرى لم يشِر إليها التقرير تتعلّق بسياسة دعم الواردات غير المجدية، وبمصير إيرادات الوديعة السعودية بالريال اليمني، والتي صُرفت من دون أن يكون للبنك المركزي في عدن أي علاقة. المغالطات التي حملها تقرير الخبراء الدوليين المقدّم إلى مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، أثارت حرب بيانات بين محافظَي البنك السابقَين، محمد زمام الذي شغل مهام المحافظ حتى أواخر عام 2019، وحافظ معياد الذي أطيح في حزيران / يونيو الماضي. لكنّ شبهة الفساد لا تزال تلاحِق جميع المحافظين الذين تقلّدوا إدارة البنك، خلال السنوات الأربع الماضية؛ فالخبراء الدوليون سبق أن اتّهموا قيادة بنك عدن بالضلوع في جريمة المضاربة بالعملة بهدف الكسب غير المشروع، خلال عام 2018، وطالبوا بتشكيل لجنة للتحقيق حول شبهات فساد. ولكن في التقرير الأخير، جرى تجاهُل الحديث عن جرائم العدوان وحكومة هادي بحق الاقتصاد اليمني واليمنيين؛ فالوديعة السعودية التي ركّز الفريق الدولي اهتمامه عليها لا تتجاوز قيمتها 30% من إجمالي ما يجري نهبه من إيرادات وطنية بالعملتين المحلية والأجنبية سنوياً. ورغم أنّ هذا التقرير أكّد أنّ اليمن يواجه أزمة اقتصادية خانقة، إلّا أنّه أغفل الحديث عن أسبابها الناتجة عن نهب السعودية والإمارات أكثر من 1,5 مليار دولار سنوياً، من إيرادات النفط اليمني الذي يجري تصدير أكثر من 2,7 مليون برميل منه بصورة علنية، إضافة إلى قرابة مليون برميل شهرياً يتمّ تهريبها عبر سفن أجنبية ترسو في موانئ بدائية في محافظة شبوة شرق البلاد.
ولم يتحدّث عن قرابة مليار دولار كإيرادات سنوية يصادرها حزب «الإصلاح» من حقول النفط في محافظة مأرب، كما أسقط وضع ميناء بلحاف الاستراتيجي الواقع تحت سيطرة قوات إماراتية، والذي يعدّ ثاني أكبر ميناء في المنطقة للغاز المسال، بعدما تجاوزت كلفة إنشائه 6 مليارات دولار عام 2006. وبسبب السيطرة الإماراتية على الميناء، فقَد الاقتصاد اليمني قرابة ملياري دولار سنوياً من مبيعات الغاز المُسال. ولم يتطرّق التقرير إلى صفقة تأجير مصفاة عدن النفطية التي كانت تغذّي السوق اليمني بأكثر من 40% من احتياجاته النفطية قبل الحرب. ورغم أهمية المصفاة التي تعدّ ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد اليمني بمليارات الريالات شهرياً، تمّ تعطيل نشاطها وتسليمها لتاجر نفطٍ كبير مقرّب من الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في الرياض مقابل 12 مليون دولار سنوياً.
من جهة أخرى، اتّهم التقرير الدولي حكومة صنعاء بتحصيل قرابة 1,8 مليار دولار سنوياً، كإيرادات ضريبية وجمركية، وقال إنّ تلك الإيرادات بإمكانها أن تسدّ حاجة حكومة هادي لصرف رواتب موظّفي الدولة، متجاهلاً الحديث عن مصير الإيرادات الحكومية في المحافظات الخارجة عن صنعاء، والتي كانت تغطّي 70% من إجمالي الموازنة العامة للدولة في صنعاء، المقدّرة بـ14 مليار دولار وفق آخر موازنة عام 2014. ولم يحمّل التقرير حكومة هادي مسؤولية حرمان أكثر من 800 ألف موظف يمني رواتبهم الأساسية، كما لم يفتح ملف مصير العملة المحلّية التي طُبعت من قبل حكومة هادي، خلال السنوات الماضية، والتي وصلت أواخر عام 2019 إلى أكثر من 1,7 تريليون ريال. وتشير مصادر مصرفية إلى أنّ ما طُبع، خلال العام ذاته، وصل إلى أكثر من 800 مليار ريال يمني.
ورغم الوفرة المالية التي حقّقتها حكومة هادي، خلال عام 2019، إلّا أنّها لم تنعكس إيجاباً على حياة اليمنيين ولم تسهم في استقرار سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية. وتفيد التقارير المحلية بأنّ معظم تلك الكتلة النقدية الكبيرة استُخدمت من قبل قيادات عسكرية وسياسية في سحب العملات الأجنبية من الأسواق اليمنية وتهريبها للخارج. وفي ظل محدودية تغذية السوق اليمني بالعملات الأجنبية، وسط استمرار الحرب والحصار، تسحب حكومة هادي شهرياً 90 مليون دولار من السوق اليمني لتغطية رواتب كبار موظفيها في الخارج، بمعدّل سنوي يصل إلى 1,1 مليار دولار.