عدن | يزداد القلق السعودي ــــ الإماراتي من إمكان تعاظم النفوذ التركي ــــ القطري في اليمن، تأسيساً على انقلاب الموازين في ليبيا. جولةٌ جديدة من جولات التصارع بين القوى الموالية لتحالف العدوان شهدها جنوب اليمن، وتحديداً جزيرة سقطرى الواقعة بالقرب من خليج عدن، نهاية الأسبوع الماضي. الجولة كشفت سعياً سعودياً ــــ إماراتياً لتعويض الخسارة اللاحقة بالبلدين في ليبيا، وتوجيه ضربة، ولو معنوية، إلى المحور القطري ــــ التركي المناوئ لهما، لكنها فتحت الباب على المزيد من التعقيدات التي ستجد الرياض نفسها في وجهها، فيما هي تنازع للحفاظ على آخر ما تبقى لها من «مكاسب» في اليمن.في البعد المتصل بتنافس المحاور الإقليمية، يبدو أن إعطاء السعودية الضوء الأخضر لحلفاء الإمارات لإسقاط الوجود الرمزي لحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في الأرخبيل، يأتي كمحاولة لإفهام المحور التركي ــــ القطري بأن جنوب اليمن ساحة سعودية ــــ إماراتية لا شأن لهما فيها، وخصوصاً أن مخاوف تراود التحالف من إمكان أن تشجّع التطورات الليبية كلاً من أنقرة والدوحة على رفع مستوى انخراطهما في اليمن (راجع: ليبيا تحيي هواجس «التحالف»: تحذيرات من الدور التركي في اليمن.
ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن السعوديين لم يتجاهلوا فقط تحرّك قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي للإمارات، لإسقاط مدينة حديبو (عاصمة سقطرى)، بل إنهم شاركوا بأنفسهم في اقتحام مبنى الأمن في المدينة، حيث يقع أيضاً مقرّ القوات السعودية. وتدأب المنابر السعودية والإماراتية، منذ انقلاب موازين القوى في ليبيا لمصلحة الأتراك والقطريين، على الترويج لما تسمّيها «خططاً تركية للتدخل العسكري في اليمن»، علماً بأن سقطرى تُعدّ من وجهة نظر الرياض وأبو ظبي «خاصرة رخوة»، كونها تقع على سواحل القرن الإفريقي، حيث النفوذ المتنامي لتركيا، وخصوصاً في الصومال.
من جهة أخرى، تَظهر الخطوة السعودية كـ«دفعة على الحساب» للحليف الإماراتي الذي لا يكفّ عن ابتزاز الرياض منذ إعلانه «الانسحاب من اليمن». وهو ابتزازٌ بلغ ذروته مع غضّ أبو ظبي النظر عن إعلان وكيلها، «الانتقالي»، «الإدارة الذاتية» أواخر نيسان/ أبريل الماضي، وإن عاد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، ليقول قبل أيام إن «الانتقالي»، وغيره من أصدقاء بلاده، «اتخذوا قرارات فردية خاطئة». هكذا، تمنح السعودية الإماراتيين مكسباً جديداً، لقاء أثمان مرتبطة بإدارة النزاع في المحافظات الجنوبية، ربما توضحها الأيام المقبلة.
تريد الرياض «فرك أذن» جناح الدوحة ــــ أنقرة في «الإصلاح»


في الوقت عينه، يريد السعوديون «فرك أذن» جناح الدوحة ــــ أنقرة في حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» (إخوان اليمن)، بعدما حاولوا سابقاً استمالة رموزه بالإغراءات المادية والمعنوية من دون نتيجة. وفي هذا الإطار، تفيد مصادر مطّلعة «الأخبار» بأن الرياض وجّهت دعوة لوزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، المقيم في سلطنة عمان، لزيارتها، إلا أن الأخير رفض تلبية الدعوة من دون ضمانة بأن لا «تبتلعه» فنادق العاصمة السعودية كما فعلت بالرئيس المنتهية ولايته منذ قرابة خمس سنوات. وتكمن الخشية السعودية من الجناح المذكور في إمكان أن يؤدي استمرار الدعم القطري ــــ التركي له في انفلاته من يديها، وخصوصاً أن بعضها باتت له نشاطات عسكرية، كما هي حال وزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، الذي افتتح له معسكراً في محافظة شبوة، يمدّ من خلاله المقاتلين من أنصار حكومة هادي في محافظة أبين، حيث تدور معارك عنيفة مع «الانتقالي».
ولا يبدو استعار معارك أبين مصادفة بالتزامن مع تسليم سقطرى لحلفاء الإمارات، إذ إن السعودية تأمل، من خلال إنهاك الطرفين من دون منح أحدهما القدرة على الحسم (قد يكون هذا هو الثمن المطلوب من أبو ظبي لقاء «هدية حديبو»، أي عدم التدخّل لمصلحة «الانتقالي» في أبين)، جرّهما إلى طاولة المفاوضات، بما يتيح تنفيذ الاتفاق الذي رعت توقيعه بينهما في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وأدخلت عليه أخيراً تعديلات متمثّلة في إعلان وقف إطلاق النار في أبين وإلغاء «الإدارة الذاتية» التي كان قد أعلنها «الانتقالي». وإن دلّت تلك المراهنات على شيء، فإنما على تخبّط الرياض في دوّامة التناقضات في المحافظات الجنوبية، ما بين الحليف الإماراتي المتطلّب، و«الشريك» اليمني المتشابكة مصالحه مع مصالح الخصمين القطري والتركي.
وحتى لو تمكنت السعودية من التوصّل إلى صيغة جديدة لربط النزاع، فهي ستكون محكومة بالفشل، بحسب ما يرى مراقبون، كونها لا ترتكز على أرضية صلبة من مصالح السكان المحليين، الذين ثبت سابقاً أن لا اعتبار لهم لدى الأطراف المتصارعين جميعهم. وفي هذا الإطار، يتخذ القيادي في «مجلس الإنقاذ الجنوبي» في سقطرى، فيصل الشواقي السقطري، مما جرى في الجزيرة أخيراً نموذجاً؛ إذ يقول في حديث إلى «الأخبار» إن «المشروع الإماراتي في سقطرى ارتكز على شراء الذمم، لذلك رفضت الوجاهات القبلية المرموقة العروض الإماراتية، وانخرطت في مقاومة مشروع احتلال الجزيرة»، معتبراً أن «سقطرى تقع تحت احتلال سعودي ــــ إماراتي مشترك، ومن الواجب مقاومته بكل الوسائل المتاحة».