لا شك في أن جبهات القتال في محور المقاومة باتت مترابطة ومتشابكة أكثر من أي وقت مضى. استطاع المحور في هذه السنة إزالة الكثير من الموانع التي كانت تعيق سابقاً الإعلان عن وحدة الموقف والمصير لأعضائه، الذين أصبحوا أكثر جرأة في التعبير بوضوح عن الأهداف الواحدة والمسار المشترك. في الملف اليمني، تجلّى الأمر واضحاً في التبادل الدبلوماسي بين كل من صنعاء وطهران، واستقبال المرشد علي خامنئي وفداً يمثّل القيادة اليمنية، تلك كانت الإشارة الشديدة الدلالة على عمق العلاقة بين الجانبين وانتقالها إلى الحيّز العلني. الاتهامات الغربية، غير الرسمية، لإيران بالوقوف وراء عملية «أرامكو» خريف العام الماضي، وكذلك الإعلانات الأميركية المتكرّرة عن ضبط أسلحة نوعية إيرانية مهرّبة إلى حركة «أنصار الله» عبر البحر، أسهمت عن غير قصد، وفعلت ما عجزت عن فعله كل من طهران وصنعاء تجاه تظهير الترابط القوي بين العاصمتين، ورفعت العتب واللوم اللذين كان يلقيهما بعض النخب والمسؤولين اليمنيين، عن إيران، باتهامها بتواضع مساعدتها لليمن في تصدّيه للعدوان عليه.ساعد أيضاً على تمتين روابط محور المقاومة، لا سيما اليمن، انتقالُ إيران من استراتيجية «النفس الطويل»، إلى استراتيجية «المقاومة الفعّالة»، التي كان الخط الفاصل فيها إسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة فوق الخليج، من دون أن تستطيع واشنطن الرد مباشرة.
لم يعد خافياً لدى دوائر القرار الإقليمي والدولي أن دول محور المقاومة وأطرافه يقومون بتوزيع الأدوار تكتيكياً والتعاون بين دول ومكوّنات المحور من منطلقات سياسية وعسكرية وأخلاقية، في إطار استراتيجي متكامل، مع إدراك من الجميع حقيقة أن قوة أيّ من أعضاء المحور وضعفه يؤثّران على العضو الآخر، بنسب متفاوتة وبصورة أو بأخرى. على أن كل ذلك لا يلغي الخصوصيات الوطنية لكل مكوّن من دول المحور.
في المقابل ، يعدّ تقدّم محور المقاومة في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن ضرورة حتمية لتراجع المملكة السعودية التي تقف على رأس المحور المواجه في الإقليم.
التقدّم الدراماتيكي اليمني في العام الخامس للحرب، ضيّق الخناق حول عنق المملكة، وهو غيّر من أولوياتها، من محاربة المحور في مناطق النفوذ الإقليمي إلى الانكفاء إلى الداخل السعودي.
تراجعت المملكة عن تحدّياتها السابقة مع طهران، وسقط تهديد وليّ عهدها محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني. وتراجعت أيضاً «العنتريات» كشعار «تقليم أظافر طهران في العواصم الأربع (بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء)». والتراجع هنا لا يعني تغيير الأهداف، بل تغيير الأولويات بالنسبة إلى الرياض التي انكفأت للحفاظ على أمنها من داخل حدودها. وهي تبحث عن تسويات تضمن لها السلامة والأمن داخل المدن والمنشآت الحيوية في البلد.
التقدّم الدراماتيكي اليمني في العام الخامس ضيّق الخناق حول عنق المملكة


في الحرب التي تشنّها السعودية على اليمن، تحوّل التحدّي الموجّه نحو صنعاء إلى تهديد خطير للرياض وبقية المدن. ومع الوقت، يزداد هذا التهديد قتامة وسوداوية وأفقاً مسدوداً. لم يعد للرياض، وفق الظروف الموضوعية الراهنة، القدرة على إملاء شروطها. فالتحوّل في موازين القوى ومعادلات الردع التي رسمها العام الخامس للحرب، «عام الحسم» وفق التسمية اليمنية، مكّن صنعاء من الانتقال من الدفاع إلى الهجوم «التدريجي والتصاعدي»، ابتداءً من استعادة السيطرة على القسم الشمالي من الضالع، والسيطرة على معظم محافظة البيضاء، وإنهاء تمرّد الحجور، مروراً بعملية كتاف وادي آل جبارة، والسيطرة على فرضة نهم، وأخيراً وليس آخراً استعادة محافظة الجوف، فضلاً عن إجراء التمهيدات العسكرية لتحرير مدينة مأرب.
وعلى الصعيد الداخلي، نجاح لصنعاء في الحفاظ على وحدة الصف، التي كان أبرز معالمها نجاحها المسبق في منع اختراق قوى العدوان لجبهتها الداخلية، في نقل النموذجين اللبناني والعراقي، في العملية الأمنية المشهورة «أحبط عملهم». ولعل من أبرز معالم مرحلة التصدّي ليس الصمود بذاته، على أهمّيته الكبيرة، بل القدرة على مراكمة القوّة؛ تطوّر تقني وفني في مجالي منظومتي الصاروخي والمسيّر، فضلاً عن مراكمة التجارب. أمر جعل العام الخامس فيصلاً في عملية التحوّل. وتكمن أهمّية هذه المرحلة في أنها كشفت عجز نظام الرياض عن منع التحوّل أو حتى اكتشافه، إلا ما تعلنه القوّات المسلّحة اليمنية بنفسها. وبهذا الانتقال، نجحت صنعاء في وضع حد فاصل بين استراتيجية أعوام التصدّي والصمود و»الصبر الاستراتيجي» للانتقال إلى أعوام الحسم.
الرياض، كما هي دائماً، فوجئت بالانتقال السريع (في العام الخامس الفائت)، وأُخذت به على حين غرّة. وبعد أن كانت تمنّي النفس بقرب سقوط صنعاء، إذا بها تضطر، أمام خطورة التحدّيات، إلى استجداء الحماية المباشرة من واشنطن التي أرسلت الآلاف من جنودها ومنظومات سلاح الدفاع الجوي «باتريوت» وغيرها، مقابل مليارات الدولارات المدفوعة سلفاً. وكذلك طلبت إرسال تعزيزات عسكرية من حلفائها الاوروبيين، لكن المساعدة لم تصل سوى من اليونان التي نشرت منظومة باتريوت شرق المملكة. تجدر الاشارة إلى أن اليونان ليس لديها القدرة على العمل العسكري خارج حدودها، وتعاني من ضائقة اقتصادية، وتصنّف أوروبياً على المستوى الاقتصادي درجة رابعة وما فوق، وقد استجابت للمطلب السعودي بنشر منظومة الدفاع الجوي بدوافع مالية فقط.