المتاعب السعودية في اليمن ليست مقتصرة على الإخفاقات الميدانية المتتالية في جبهات القتال، والتي تشكّل كابوساً ثقيلاً لها. تلاحق المملكة المتاعب في كل الاتجاهات، الخارجية والداخلية والاقتصادية. ومتاعب الأصدقاء شكّلت إزعاجاً، يزيد تأثيره مع تآكل قوّة النظام السعودي.ابتزاز الأصدقاء مالياً يكاد لا ينتهي، وهو ليس حكراً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يأتي في الدرجة الثانية، الوكلاء اليمنيون الذين راكموا ثروات مالية هائلة. والوضع ذاته بالنسبة إلى كل من مصر والسودان. أدّت الاندفاعة الهجومية التدريجية اليمنية، بالعديد من الدول المشاركة في التحالف، إلى إعادة حساباتها لـ«العودة خطوات إلى الوراء» خشية استمرار الاستنزاف والغرق في المستنقع اليمني. لكن التراجع إلى الخلف لم يرقَ إلى إعلان الانسحاب الكلّي أو الخروج من التحالف بشكل رسمي. من جهة أخرى، تعتمد هذه الدول البقاء في التحالف ضمن سياسة استرضاء النظام السعودي والاستفادة من معوناته المالية والاقتصادية.

الإمارات
لم تحسم دولة الإمارات، أو ليس لديها القدرة على حسم بقائها في الشوط الأخير من المنازلة مع اليمن، الأمر الذي أبقى اتفاق الرياض «حبراً على ورق»، معلّقاً إلى انتظار الوجهة النهائية لأبو ظبي. وإن كان ثمّة من يربط في الجانب السعودي مصير الرياض وأبو ظبي معاً، في حرب خاضاها معاً، ولا بد أن يشتركا في نتائجها، في الربح والخسارة، بالقول إننا «بدأنا الحرب معاً ونخرج منها معاً».
تقطع الرياض الطريق أمام محاولات الخروج الإماراتية المتكرّرة من الحرب. وإزاء ذلك، فإن السياسة الإماراتية حيال اليمن مربكة، ويداها العسكرية والسياسية مغلولتان. وهي أعلنت انسحابها مرّتين هذا العام. في الأولى، أعلنت أنها انتقلت من الحرب إلى استراتيجية «السلام أوّلاً». وفي الثانية، أعلنت أنها انتقلت من القتال المباشر إلى الإدارة غير المباشرة من خلال الوكلاء المحليين الذين بلغ عددهم 200 ألف مقاتل، حسب إعلانها. وفي كلتا المرّتين، كان ادعاؤها أقرب إلى إعادة الانتشار والتموضع منه إلى الانسحاب. وسبق أن أعلنت عام 2016 الانسحاب لتتراجع عنه في اليوم الثاني. حاولت الإمارات التطلّع نحو طهران في نصف استدارة للعب على النقيضين، لكنها لا تملك مساحة واسعة للمناورة بينهما، كما أن قدراتها الذاتية لا تؤهلها لمثل هكذا أدوار. ذلك فضلاً عن أن الرياض تضع حليفتها أبو ظبي دائماً أمام خيارين: الاستمرار معها في الحرب حتى نهايتها مع حفظ حصّتها من الكعكة اليمنية، بشروط بقائها تحت عباءتها، أو الخروج بخفّي حنين بلا حصّة، وبذلك ينفضح دورها في «التبعية المطلقة» للرياض في حرب عبثية استعدت فيها الشعب اليمني، وعليها أن تترقّب تبعاتها المادية والمعنوية كاملتين ثمن انصياعها للرياض على حساب اليمن.
تدرك الرياض، ويدرك معها الخصوم والأصدقاء، المحلّيين والإقليميين، أن خروج الإمارات من الحرب يعني بقاءها وحيدة في المستنقع اليمني، مع مزيد من انكشاف لقواها المتهالكة، وتعرية لما تبقى لها من هيبة. ولن يكون بمقدورها إدارة الملفات المختلفة على الصعد العسكرية والسياسية والمحلية لليمن.

صراع الوكلاء
بقي صراع الوكلاء يؤرّق الجانب السعودي ويستنزف إمكاناته وجهوده ورصيده، رغم إملائه عليهما توقيع اتفاق الرياض (بين «الشرعية» و«المجلس الانتقالي الجنوبي») باحتفالية حضرها وليّ عهد السعودية محمد بن سلمان، ووليّ عهد الإمارات محمد بن زايد.
أدارت السعودية صراع الأصدقاء في الداخل اليمني، لكنها لم تستطع أن توفّق بينهم. ووقفت عاجزة أمام نزف الدماء الدافق من عروق وكلائها في ما يسمّى «الحكومة الشرعية»، وكذلك وكلاء حليفتها، أي «الانتقالي الجنوبي»، وإن كان ثمة رأي يقول إن الرياض تتعمّد إبقاء جذوة الصراع مشتعلة للتحكّم بالطرفين معاً. على أي حال، فإن الصراع بين الجانبين واجهتُه صراع على السلطة والنفوذ بين المكوّنات المحلّية، ولكن خلفيّته الحقيقية اختلاف على تقاسم المغانم بين الطرفين المؤسّسين لما سمّي «التحالف العربي»: السعودية والإمارات. وإن كان ذلك لا يلغي الصراع السياسي المحلّي على السلطة في البلد.
أدارت السعودية صراع الأصدقاء في الداخل اليمني، لكنها لم تستطع أن توفّق بينهم


لم تسمح السعودية لأحد الطرفين بالتغلّب والسيطرة على كامل المحافظات الجنوبية. وعندما أوشكت الكفّة أن تميل لمصلحة الحكومة على غريمها «الانتقالي» تدخّلت أبو ظبي، بغضّ نظر من الرياض، من خلال طيرانها الحربي، لترسم الخريطة الجغرافية السياسية مؤقتاً بين أطراف النزاع في إطار معركة مدروسة مسبقاً بأن لا يكون غالب ومغلوب فيها. وبانتظار الحسم النهائي للدور الإماراتي بالبقاء في التحالف أو الخروج منه، استقرّت تموضعات «الأمر الواقع» على النحو الآتي: «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) في المحافظات الشرقية، و«الانتقالي» في المحافظات الغربية لدولة اليمن الجنوبي سابقاً.

مصر
يتجاهل العالم مشاركة مصر في التحالف. إلا أن القاهرة هي إحدى الدول المشاركة في تحالف الحرب على اليمن، من خلال قوّة بحرية تشارك مع الدول الخليجية والغربية في حصار الشعب اليمني. وهي مهمّة لم تتغيّر منذ بداية العدوان، وإن كان النظام في القاهرة يدّعي بأن مشاركته في التحالف تأتي تحت عنوان الأمن الملاحي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب. غير أن الموقف المصري يتبنّى الموقف السعودي في المحافل الدولية والإقليمية بحذافيره في ما يخصّ الشأن اليمني. وقد ارتضت الرياض هذا الحجم من المشاركة المصرية، رغم رغبتها مشاركة الأخيرة في القتال البرّي، إلا أن حسابات القاهرة الداخلية وتجربتها السابقة في اليمن حالت دون ذلك، مع العلم بأن المعونة المالية السعودية لمصر تأتي من ضمن تحالف في أكثر من ملف إقليمي، واحد منها اليمن.

السودان
خرج السودان من جبهات القتال من دون إعلان رسمي، بعدما اتخذ بداية العام الجاري قرار تقليص عدد العسكريين السودانيين في اليمن من 5 آلاف (العدد السابق 15 ألفاً سحب منهم 10 آلاف في الصيف الماضي) مبقياً على 657 جندياً، من دون أن يحدّد مهمّة الجنود المتبقّين أو أماكن تموضعهم. مصادر صنعاء تؤكد أن العدد الموجود في جبهات القتال أكبر من ذلك بكثير، وكثير من المقاتلين السودانيين ليسوا جنوداً نظاميين في القوات السودانية. إذ لا تزال القوات السودانية تنتشر في محاور نجران وجيزان وعسير والخوبة لحماية الحدود السعودية، مع انتشار تكتيكي في ميدي وغرب حرض في محافظة حجة اليمنية، وتتموضع سرايا سودانية في معسكرات ما يسمّى «قوّة الواجب» (قوّات مشتركة للتحالف) في المخا غربي تعز، ومعسكر بلحاف في شبوة، ومطار الريان في حضرموت. ومهمّة هذه السرايا حراسة عناصر وضباط قوات التحالف.