ما حصل في الأسابيع الأخيرة في اليمن، وخصوصاً منه استعادة صنعاء لمحافظة الجوف، والتبدّل المفاجئ في خريطة التحالفات القبلية، خلط الأوراق رأساً على عقب، وأثبت مجدّداً أن الرمال اليمنية متحرّكة باستمرار. كثير من تلك القبائل كانت، حتى قبيل سقوط مدينة الحزم مركز المحافظة، تقاتل إلى جانب التحالف السعودي، وتتقاضى منه مساعدات مالية وعسكرية كبيرة جداً، وإذا بها تبادر إلى عقد تفاهمات مع صنعاء، بالاستفادة من قانون العفو المُقدّم من رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط. تفاهمات سهّلت سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على الجوف، مقابل احتفاظ القبائل ببعض الامتيازات، وعدم ملاحقة المقاتلين من أبنائها في صفوف الميليشيات الموالية لـ«التحالف».على إثر ذلك، بدا الإرباك والضياع واضحين على حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، التي حاولت متأخّرة استدراك الهزيمة، بعدما كانت قوات صنعاء قد بدأت التقدّم نحو مدينة مأرب، التي يشكّل سقوطها تهديداً وجودياً لبقاء «الشرعية» برمّتها في اليمن. استنفر هادي وزراءه للسفر إلى مأرب لمؤازرة قواته المتداعية، فلم يستجب منهم سوى وزير الأوقاف القاضي أحمد عطية، الذي حضر من الرياض وباشر العمل على التحريض المذهبي وتأليب قبائل مأرب لرفض التفاهمات الهادفة إلى تجنيب المدينة ومنشآتها الاقتصادية الحرب والدمار. أما مستشار الرئيس المستقيل، رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، فاعتبر أن سقوط الجوف «قد يغيّر موازين القوى العسكرية بصورة نهائية في معركتنا المصيرية مع الحوثيين»، محذراً من «(أننا) سنتلقّى جميعاً هزيمة تاريخية نكراء. فالعدو تمكّن من الحصول على وسائل وعوامل قوة أتاحت له الصمود، وتتيح له التقدّم اليوم». ورأى أنه ليس هناك ما يعوّض هذه الخسارة: «ما يعتقده البعض مكسباً تثبت الأحداث المتلاحقة أنه وهم، وترتيب غير موفق للخصوم والأعداء في هذه المعركة»، مبدياً خشيته من أنه «إذا تعاملنا بذات المستوى الذي تعاملنا به بشأن سقوط نهم، فسنكون قد قَرّرنا مصير المعركة لمصلحة الحوثيين يمنياً، ولمصلحة إيران إقليمياً، وسيكون دور التحالف قد انتهى في اليمن».
رفض الضباط الجنوبيون طلب السعودية فتح الجبهات المحاذية للشمال


السعودية، التي تتشارك مع الجوف بحدود طولها أكثر من 700 كلم، تبدو مصدومة ومربكة في مواجهة هذا التحدّي المستجد. وهي تحاول اليوم كبح خسائرها في الشمال بفتح جبهات في المحافظات الجنوبية المحتلّة، التي شكّلت في السنوات الماضية الخزّان البشري لرفد معارك «التحالف» بالمقاتلين. واجتمع قائد القوات السعودية في عدن، العميد الطيار مجاهد العتيبي، مع قيادات عسكرية جنوبية، على رأسها قائد «المنطقة العسكرية الرابعة» (مقرّها عدن) اللواء فضل حسن العمري، إضافة إلى العديد من قادة ألوية «الحزام الأمني» وضباط آخرين. وطلب العتيبي من الحاضرين فتح الجبهات الجنوبية المحاذية للشمال، وذلك لتخفيف الضغط على محور جبهة مأرب، غير أن هؤلاء رفضوا بالإجماع فتح الجبهات، مستغربين مثل هكذا طلب، فيما «الشرعية» لديها قوات معزّزة في شبوة وأبين وغيرها. وعلى رغم محاولة الضابط السعودي إغراءهم بالمساعدات العسكرية والمالية، إلا أن موقفهم لم يتبدّل.
ولم يكتفِ العتيبي بالاجتماع بالقادة العسكريين، بل قام بزيارة مفاجئة لجبهة «حدّ يافع» في جبال يافع التابعة لمحافظة لحج (قبيلة يافع من أكثر القبائل المتعاونة مع التحالف في سنوات الحرب، وشكّلت مدداً بشرياً مهمّاً لمعاركه)، في محاولة لإعادة تحريك تلك الجبهة المحاذية لمحافظة البيضاء بغية إشغال الجيش واللجان. لكن فعاليات في يافع سارعت إلى رفض الزيارة، عادّة إياها محاولة سعودية للبحث عن «جبهة بدل مفقود». وأصدر «مجلس الدفاع عن مديرية حدّ يافع» بياناً قال فيه إن الجبهة «دفاعية» وليس لها أيّ أهداف هجومية، رافضاً بشكل قاطع السماح بفتحها، مهيباً «بكلّ الشرفاء تفويت الفرصة على تجار الحرب المشبوهة، والذين يسعون الى استغلال الحرب لمصالحهم الخاصة».
وفي الاتجاه نفسه، رفض العديد من الناشطين استمرار الجنوبيين في أداء دور «البندقية الأجيرة» خلف الحدود من دون طائل، في وقت تجري فيه السعودية حوارات مع حركة «أنصار الله»، متسائلين: «هل سيبقى الجنوبيون، وأبناء يافع بالتحديد هذه المرة، ورقة ضغط عسكرية بيد الرياض؟ وهل يعقل أن نقاتل بالمجان، والسعوديون يحاورون بثمن؟». كما دعا آخرون إلى إعادة المقاتلين الجنوبيين من جبهات الساحل الغربي للدفاع عن مناطقهم فقط.