بعدما أعلنت، الأسبوع الماضي، للمرة الثانية خلال أقلّ من عام، الانسحاب من الحرب على اليمن، تعود دولة الإمارات لتُسرّع من الخطوات العسكرية والسياسية التي تخدم مشروعها في هذا البلد. خطوات يتولّاها الوكلاء اليمنيون بدلاً من القوات الإماراتية، في استراتيجية غير مباشرة من الأعمال الحربية. وانطلاقاً من ذلك، لا تزال دوائر القرار في صنعاء تعتبر أن ادّعاءات الانسحاب الإماراتية إنما هي لذرّ الرماد في العيون، ولا تتجاوز كونها قنابل صوتية للتملّص من تبعات الحرب، وحماية العمق الإماراتي الذي أصبح مهدّداً أكثر من أيّ وقت مضى، فضلاً عن التحلّل من المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية في المحافل الدولية، خصوصاً في ظلّ الدعاوى التي رفعتها مكاتب محاماة غربية في شأن انتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات والسجون السرية والإخفاء القسري والتعذيب، في اليمن عموماً والمحافظات الجنوبية خصوصاً. وبحسب مصادر في صنعاء، فإن خارطة الانتشار الإماراتي على الأرض لا تزال على حالها، باستثناء الانسحاب من عدن، بل إن مشاركة أبو ظبي في الأعمال العدائية من خلال وكلائها وطلعات طائراتها زادت عمّا كانت عليه في السابق. ويستبعد مراقبون أن تَصدُق الوعود الإماراتية بالانسحاب من الحرب، وذلك لثلاثة أسباب: أولها أطماع أبو ظبي في الموانئ والجزر اليمنية، وثانيها ممانعة السعودية خروج الإمارات من «التحالف»، وثالثها الارتباط بالولايات المتحدة الأميركية التي لم تتخذ إلى الآن قراراً بوقف الحرب. وفي هذا الإطار، توضح المصادر أن الارتباط الإماراتي بواشنطن لا يقتصر على المستوى السياسي، بل له جوانب عملانية في الميدان اليمني، حيث يفضّل الأميركيون التعاون مع الإماراتيين، لا سيما في ما يتصل بتنظيم «القاعدة». ويوجد الطرفان (الأميركي والإماراتي)، جنباً إلى جنب، في قاعدتَي بلحاف في محافظة شبوة والريان في محافظة حضرموت، واللتين تتمّ عبرهما إدارة المصادر البشرية وتسيير الطائرات المسيّرة وتنسيق عمليات التخادم مع «القاعدة». كذلك، تتموضع كتيبة إماراتية في جزيرة ميون وسط باب المندب، لمهامّ متصلة بالأمن الملاحي، بالتنسيق مع البحرية الأميركية المتمركزة في المنطقة.
وفي إطار سعيها لتثبيت ذلك الوجود العسكري والأمني وتعزيزه، أقدمت أبو ظبي، في خلال الأيام الماضية، على اتخاذ العديد من الإجراءات في الساحل الغربي والمحافظات الجنوبية، مباشرة أو عبر وكلائها، الذين بدا لافتاً تصعيدهم لهجتهم ضدّ ما يسمّى «الشرعية»، وذهاب بعضهم إلى حدّ التهجّم على السعودية، وتحميلها مسؤولية تردّي الوضعين الأمني والاقتصادي في الجنوب. ومن بين أبرز تلك الإجراءات، يمكن إيراد ما يلي:
- تَجاوَز وكلاء الإمارات في الساحل الغربي، مطلع الأسبوع الجاري، الوضعية القائمة منذ شهور في مديرية الدريهمي الساحلية، والمحاصرة منذ العام الماضي، بهجوم واسع عليها استهدف بحسب مصادر مطلعة قياس مدى جاهزية القوات المدافعة عنها. وهو ما ظهر أنه في أعلى مستوياته، بفعل إفشال الهجوم من قِبَل الجيش اليمني واللجان الشعبية، وتكبيدهما منفّذيه قتلى وجرحى، علمت «الأخبار» أن عدداً منهم وصل إلى مستشفيات عدن. ووفقاً للمعلومات، فإن الإصابات تدلّ على أن «أنصار الله» استخدمت هذه المرّة قناصات مغايرة لتلك التي استُخدمت سابقاً في عمليات مشابهة.
تَجاوَز وكلاء الإمارات في الساحل الغربي الوضعية القائمة منذ شهور في مديرية الدريهمي الساحلية


- سبقت ذلك الهجومَ زيارةُ مسؤولين من ميليشيات «ألوية العمالقة» المحسوبة على الإمارات، مقرَّ قيادة ميليشيات «حرّاس الجمهورية» التي يقودها طارق صالح في المخا غرب تعز. وفي ختام الزيارة، صدر بيان نفى ما سمّاه «الإشاعات» حول خلافات بين الطرفين، واصفاً إياها بأنها «أخبار كاذبة لإثارة الفتنة في جبهة الساحل الغربي». وقال «إننا على قلب رجل واحد، وفي خندق واحد... لقتال ميليشيات الحوثي في الساحل الغربي».
- قبل تلك التطورات، كان افتُتح في المخا، في الـ11 من الشهر الجاري، مستشفى ميداني جديد من قِبَل طارق صالح، الأمر الذي قرأه مراقبون على أنه يأتي في إطار استعدادات قوى «التحالف» لبدء تصعيد عسكري واسع في الحديدة.
- أيضاً، وضع طارق صالح، مطلع الشهر الحالي، الحجر الأساس لـ«مدينة الثاني من ديسمبر» السكنية، الخاصة بمنتسبي ما يسمّى «المقاومة الوطنية»، والتي سيتمّ تشييدها في المخا.
- بالتوازي مع ذلك، تعمل أبو ظبي على ضمّ جماعة «أبو العباس» السلفية التابعة لها إلى قوات طارق صالح، بعد أن قامت الجماعة المذكورة بتدريب نحو ألفي مقاتل في مناطق وجودها في المديريات الغربية من محافظة تعز. ويرى مراقبون عسكريون أن خطة الضمّ هذه تستهدف حشد كلّ الإمكانيات من أجل معركة الساحل الغربي.
- وفي مدينة عدن، احتشد أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الموالي للإمارات، أمام مقرّ «التحالف»، حيث رفعوا شعارات مناوئة للسعودية، من بينها «يا سعودي يا كذاب إنت داعم للإرهاب»، في ما اعتُبر انقلاباً ضمنياً على «اتفاق الرياض.
- أما في صنعاء، فقد كُشف في الأيام الماضية عن مجموعتين أمنيتين، سعودية وإماراتية، كانتا تستهدفان زعزعة الأمن في مناطق «أنصار الله»، وتأليب الناس على الحركة، وفق ما أعلنت وزارة داخلية حكومة الإنقاذ. وبحسب الإعلان الرسمي، فقد بلغ عدد أعضاء الخلية الإماراتية 20 شخصاً، وكانت تدار من قِبَل عمار محمد عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.