في وقت أعلنت فيه طهران تلقّيها رسالة من السعودية عبر زعيم إحدى الدول، بموازاة إعلان محمد بن سلمان تفضيله الحل السياسي والتفاوض وواشنطن مع طهران، تنشط مبادرة رئيس الوزراء العراقي في الإقليم. مبادرة تشي تفاصيلها بوجود تأييد وتشجيع إماراتيين، وتجاوب يمني، فيما لا يزال الموقف السعودي ضبابياً ومتناقضاً وعرضة لتأثير الولايات المتحدة، ولنشاط إسرائيلي في هذا الشأن، وفق ما ينقل مسؤول عراقي رفيع لـ«الأخبار».
طلب الجانب السعودي ضمان عدم استخدام إيران أو فصائل مسلّحة الأراضي العراقية لتوجيه ضربات إلى العمق السعودي (أ ف ب )

قال مسؤول عراقي رفيع لـ«الأخبار» إن تطورات كثيرة تحصل في المنطقة دفعت رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إلى إطلاق مبادرة تهدف إلى الحؤول دون انفجار الوضع في الإقليم على خلفية الصراعات بين المحورين الكبيرين. وأوضح المسؤول أن الساحة العراقية شديدة الحساسية إزاء ما يحصل، وحكومة بغداد لا تريد التورّط في أي جبهات جديدة، بينما لا تزال منشغلة في مطاردة «داعش» وما استجد من جديد أمني يتمثّل بالاعتداءات الجوية.
وأوضح المسؤول أن السلطات العراقية انطلقت في المساعي بعد اتضاح صورة المواقف في المنطقة، حيث تسعى جهات كثيرة في إشعال الحرب، بين إيران والسعودية بشكل خاص، وفي استهداف القوات الأجنبية في المنطقة، ما يقود إلى مواجهة أكبر.
واتهم المصدر إسرائيل بأداء دور أمني وعسكري وسياسي كبير في تحريض الولايات المتحدة والسعودية على عدم التفاهم مع إيران، داعياً إلى عدم تجاهل استمرار وجود أصوات قوية داخل الإدارة الأميركية تدفع باتجاه الحرب، برغم قرار إبعاد أبرز الصقور، جون بولتون، عن الحكم.
وأكد المسؤول العراقي الرفيع أن الهجمات التي تعرّضت لها مواقع مختلفة لـ«الحشد الشعبي» العراقي في أكثر من منطقة، نفذتها إسرائيل، موضحاً أن تحقيقات موسعة جرت في الآونة الأخيرة، وجرى التعاون مع جهات عدة في المنطقة، من بينها لبنان، ما سهّل التثبّت من تورّط إسرائيل المباشر بالاعتداءات. وتحدّث المسؤول عن اكتشاف السلطات العراقية خلايا تعمل مع العدو الإسرائيلي وتزوّده بالمعلومات، كاشفاً عن اعتقالات لمشتبه في تورطهم بالتعامل مع العدو. وقال إن رئيس الحكومة العراقية سيناقش مع بقية المسؤولين في البلاد ومع الكتل البرلمانية آلية الكشف عن نتائج التحقيقات وإعلان مسؤولية إسرائيل، وإعلان موقف رافض للعدوان وداعٍ إلى اتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكراره، بما في ذلك التحدّث مباشرة مع الولايات المتحدة وعواصم غربية أخرى في ضرورة لجم العدو، لأن تكرار العمليات سيؤدي إلى توتر كبير في المنطقة، يضاف إلى التوتر القائم بفعل العدوان على اليمن واستمرار الأزمات الأمنية والعسكرية والسياسية في العراق وسوريا.
يتحدّث بعض زوّار السعودية عن «تباين محدود» بين الملك وولي العهد


وحسب المسؤول العراقي، فإن عبد المهدي عقد سلسلة من اللقاءات غير المعلنة مع أطراف بارزة في محور المقاومة، وأجرى اتصالات، وعقد مندوبون عنه اجتماعات فرعية في شأن الوضع. الاتصالات شملت إيران وحزب الله وحركة «أنصار الله» اليمنية. وقد سمع من هذه الأطراف تأييداً لمبادرة يقوم بها العراق لاحتواء التوتر، تقوم على وقف جميع العمليات العسكرية في كل المنطقة وإطلاق حوار سياسي واسع. وقال المصدر إن دولة الإمارات العربية المتحدة بعثت إلى عبد المهدي برسائل تشجيعية من أجل إيجاد «حل جذري» للأزمة القائمة الآن. وعلمت «الأخبار» من مصادر عربية أن الإمارات تظهر حرصاً على تسوية سريعاً تلزم الجميع بوقف إطلاق النار، وهي تفعل ذلك في ضوء المخاوف من تعرّضها لضربات عسكرية من جانب «أنصار الله». وقالت المصادر العربية إن أبو ظبي عاودت الاتصال بالمسؤولين الإيرانيين لأجل التدخّل مع القيادات في صنعاء. لكن طهران عادت وأكدت الموقف القائل بأن على الإمارات التواصل المباشر مع حركة «أنصار الله». وسمع المسؤولون الإماراتيون من الجانب الإيراني أن صنعاء مستعدة لإطلاق حوار مع أبو ظبي، لكن ذلك يتطلب موقفاً واضحاً من الإمارات بالانسحاب من الحرب سريعاً، والمباشرة بخطوات عملية على الأرض.
وحسب المصادر، فإن عبد المهدي كوّن فكرة أوّلية عن واقع الموقف ومتطلبات محور المقاومة. وبناءً عليه، بادر إلى الاتصال بالقيادة السعودية. وأوضح المسؤول العراقي الرفيع أن الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة العراقية للسعودية، شهدت عرضاً من الجانب السعودي للموقف، وطلبات مباشرة من عبد المهدي بضمان عدم استخدام إيران أو فصائل مسلّحة الأراضي العراقية لتوجيه ضربات إلى العمق السعودي. ومع أن الجانب السعودي لم يتّهم بغداد بأن لها علاقة بالقصف الذي تعرّضت له شركة «أرامكو»، إلا أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، بدا متشدداً حيال فكرة التوصّل إلى حلّ شامل في وقت قريب.
وبحسب مصدر يمني مواكب لهذه الاتصالات، فإن عبد المهدي يعمل الآن على جمع المواقف والتصريحات قبل إطلاق المبادرة. ويوضح المصدر أن بعض الزوّار العرب والأجانب إلى السعودية يتحدثون عن «تباين محدود» بين الملك السعودي سلمان ونجله ولي العهد، بشأن طريقة وقف الحرب في اليمن. وعزا المصدر الأمر إلى الضغوط القائمة من جانب الولايات المتحدة وبعض العواصم الغربية وإسرائيل، حيث هناك مصلحة في استمرار الحرب، لكنهم مع السعي إلى تنفيذ هدنات ذات طابع عسكري وإنساني.
ولفت المصدر اليمني إلى أن رئيس الحكومة العراقية يعرف تماماً موقف «أنصار الله» من المبادرات، وأن الجانب العماني لم يوقف اتصالاته، بما فيها محاولة إقناع «أنصار الله» بالتواصل المباشر مع الأميركيين. لكن المصدر أكد أن القرار الواضح لدى قيادة «أنصار الله» يقول بعدم الحاجة إلى أي تواصل هدفه إعلامي، من جهة، وتوفير أرضية مريحة للجانبين السعودي والإماراتي، من جهة ثانية. وكرر المصدر أن المطلوب أمر واحد؛ وهو إعلان سعودي - إماراتي واضح عن وقف العدوان بكل أشكاله ورفع كل أشكال الحصار القائم على اليمن، وترك اليمنيين يذهبون إلى حوار سياسي داخلي لأجل إيجاد الصيغة الأنسب لإدارة شؤون اليمن موحداً.
(الأخبار)