تحاول القوى الموالية للإمارات في جنوب اليمن استغلال التوتر الحاصل في المنطقة على خلفية الاشتباك الأميركي ــــ الإيراني، من أجل إمرار مشروعها القاضي بالسيطرة على المحافظات الجنوبية والشرقية، إلى جانب جزيرة سقطرى، تمهيداً لإعلان «الانفصال» عن الشمال. في هذا السياق، شهد الجنوب، خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة حوادث وتطورات أنبأت بتلك النيات، التي سرعان ما تدخلت السعودية لقمعها ومنع انفلاتها. وفقاً لمصادر مقرّبة من «الشرعية»، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن حلفاء الإمارات كانوا يخططون لعملية انقلاب حقيقي، «تقضي بقيام مجموعات عسكرية، على رأسها ضباط رفيعو المستوى موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي (الموالي لأبو ظبي) بالتمرد على القادة التابعين لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، وإعلان تأييد القواعد والثكنات العسكرية في المحافظات الجنوبية لمطلب فك الارتباط عن الشرعية». يترافق ذلك، وفقاً للمصادر نفسها، مع «الإيعاز للنقابات العمالية والمهنية بالسيطرة على المؤسسات الحكومية في عدن، كالبنك المركزي ورئاسة الوزراء ووزارة المالية والمصافي وشركة النفط والاتصالات وغيرها»، من خلال «إطلاق احتجاجات داخل تلك المؤسسات، والدفع بالموظفين الموالين للمجلس الانتقالي للسيطرة على إداراتها، ليعقب هذا الأمرَ تدخلُ قوات عسكرية تابعة للمجلس، والاشتباك مع أي قوات قد تحاول إخماد الانقلاب».لكن، وفقاً للمعلومات، سارع السعوديون إلى التدخل في اللحظات الأخيرة لمنع الانقلاب، محذرين من أن أي هجوم عسكري أو محاولة للسيطرة على المؤسسات الحكومية ستؤدي إلى سقوط عدن خصوصاً، والجنوب عموماً، في أتون حرب أهلية شاملة تمهّد لعودة «أنصار الله»، كما ستتسبّب بانهيار البنك المركزي ووزارة المالية. وتفيد المعلومات، أيضاً، بأن مسؤولين وضباطاً سعوديين ينشطون على خط الوساطة بين «الشرعية» و«الانتقالي» لتخفيض مستوى التوتر. من جهتها، ترفض مصادر قيادية في «الانتقالي»، في حديث إلى «الأخبار»، وصف ما حدث بأنه محاولة انقلاب تم التراجع عنها بضغوط سعودية، لكنها تعترف في الوقت نفسه بأن المجلس ماضٍ في تأسيس غرفة عمليات عسكرية تخضع بموجبها جميع القوات الموالية له ولدولة الإمارات لقيادة موحدة تتبعه سياسياً، مُحمِّلةً في الوقت نفسه حكومة هادي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الجنوب.
قضى المخطط الانقلابي بالسيطرة على المؤسسات الحكومية في عدن


وسبق محاولةَ تنفيذ الانقلاب في عدن وضع خطة للسيطرة على وادي حضرموت الغنيّ بالنفط، والذي تسيطر عليه قوات محسوبة على «الشرعية»، بعدما أعلن رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، في خطاب له الشهر الماضي، العزم على فتح جبهة هناك. إعلان أعقبه البدء في تأمين التجهيزات اللوجستية (المدنية والعسكرية) اللازمة للعملية، لكن ذلك قوبل بموقف واضح وحاسم من قِبَل المسؤولين السعوديين الذين أبلغوا الأطراف المتحركة بأن خوض أي معركة في وادي حضرموت أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. كما أن خطة حلفاء الإمارات هذه لاقت بروداً مجتمعياً، ورفضاً سياسياً «حضرمياً» من قِبَل فاعليات المحافظة التي رفضت الدخول في صراعات لا تعنيها.
مع ذلك، لم تيأس القوات الموالية لأبو ظبي، فاتجهت نحو محافظة شبوة، حيث حاولت «النخبة الشبوانية»، مطلع الأسبوع الجاري، التمركز في موقع محاذٍ لآبار النفط في منطقة مرخة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينها وبين قوات «اللواء 21 ميكا» التابع لـ«الشرعية»، أسفرت عن سقوط 5 جرحى من الجانبين. وعلى الأثر، وجّهت شخصيات اجتماعية نداءً عاجلاً لوقف الاشتباكات وضبط النفس، داعية إلى حفظ النسيج المجتمعي «الشبواني» من الانزلاق نحو العنف. لكن هذا النداء لم يمنع «النخبة الشبوانية» من التوجّه نحو مدينة عتق، مركز المحافظة، أول من أمس، والسيطرة على أجزاء واسعة منه، كما قال مدير أمن شبوة، عوض الدحبول، إنه تم من دون إنذار مسبق، محذراً من فتنة تحاول بعض الأطراف جرّ المحافظة إليها.
أما في جزيرة سقطرى، فقد حاول فرع «الحزام الأمني» (التابع للإمارات) هناك، أول من أمس أيضاً، السيطرة على ميناء الأرخبيل، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بينه وبين قوات خفر السواحل التابعة لحكومة هادي، أسفرت عن إصابة قائد «الحزام السقطري»، عصام سعيد، بجروح. ووفقاً لمحافظ سقطرى الموالي لهادي، نزار محروس، فقد سيطرت القوات المحسوبة على أبو ظبي على بوابة الميناء لبعض الوقت، قبل أن يتم إخراجها منها، واستعادة «السيطرة على الوضع وتأمين الميناء». وفي تعليقه على تلك الواقعة، وصف وزير الدولة في حكومة هادي، عبد الغني جميل، الوجود الإماراتي في سقطرى بأنه «احتلال متكامل الأركان»، داعياً رئيسه إلى «اتخاذ قرار حاسم في هذا الأمر». بناءً على كل تلك الوقائع، يبدو واضحاً أن القوى الموالية للإمارات تسعى إلى استثمار اللحظة الإقليمية الراهنة في تعزيز أوراقها في الجنوب اليمني، عن طريق محاولة بسط اليد على المواقع النفطية والغازية التي تظلّ السيطرة من دونها ناقصة. وعلى رغم أن أبو ظبي تزكّي، مبطناً، هذه الخطط والتحركات، إلا أنها لا تستطيع الخروج من الهامش الذي تلعب فيه بمعزل عن حليفتها، الرياض. أما الأخيرة، فهي تبدو في موقف لا تُحسَد عليه؛ إذ إنها لا تستطيع الاصطدام بالإماراتيين، لكن ليس بمقدورها في الوقت نفسه إرخاء الحبل لحلفائهم لما سيستجلبه ذلك عليها من تداعيات. ومن هنا، تحاول السعودية التوفيق بين «الشرعية» والإمارات، محاجِجةً بأن الوقت الآن إنما هو للتوحّد بوجه «أنصار الله»، على أن يحين لاحقاً أوان تقاسم «المغانم».