في التقرير الأخير الذي نشرته «مجموعة الأزمات الدولية» في شأن اليمن، بدا من الواضح أن «إخراج السعودية من هذا المستنقع» لن يكون ممكناً من دون مساعدة أساسية من الولايات المتحدة. هذا فضلاً عن أن المملكة يجب أن تذعن لضرورة «التوقّف عن التفكير في كيفية تحقيق انتصار ما على الورق، والالتزام بدلاً من ذلك بالبحث عن مخرج سياسي، حتى لو كان ذلك يعني إعطاء الحوثيين وزناً أكبر».«إنهاء مستنقع اليمن: دروس لواشنطن من أربع سنوات حرب»، هو عنوان التقرير الذي نشرته «مجموعة الأزمات الدولية»، أمس، داعية فيه الولايات المتّحدة إلى مساعدة السعودية على الخروج من حرب اليمن. 35 صفحة خصّصتها المجموعة للموضوع، تحدثت فيها عن الدور الذي لعبته كلّ من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وإدارة الرئيس دونالد ترامب في حرب اليمن، خاتمة إياها بتوصيات كان من أبرزها تعيين مبعوث يتولّى هذا الملف وتعليق صادرات السلاح إلى السعودية، وذلك إلى حين وقف المملكة تدخّلها العسكري الذي بدأ قبل أربع سنوات.
إلا أن من أبرز ما جاء في التقرير، أنه يجب على التحالف العسكري الذي تقوده الرياض أن «يتوقف عن التفكير في كيفية تحقيق انتصار ما على الورق، وأن يلتزم بدلاً من ذلك التزاماً تاماً بالبحث عن مخرج سياسي، حتى لو كان ذلك يعني إعطاء الحوثيين على المدى القصير وزناً أكبر مما يرغب فيه». ووسط كل ذلك، تقع على الولايات المتحدة مسؤولية «قيادة الطريق، من خلال إيجاد مخرج خاص بها». وفق التقرير، فإن «الولايات المتحدة لا تملك مفتاح إنهاء الحرب في اليمن، ولكن يمكنها بالتأكيد القيام بالمزيد من أجل تقييد شركائها السعوديين والإماراتيين ودفعهم إلى الدخول بشكل بناء في جهود للتوصل إلى حل سياسي». ولكن الأهم، بحسب «الأزمات الدولية»، هو أنه «لم يفت الأوان أمام الولايات المتحدة من أجل البدء بالبحث عن تغييرات يمكن أن تساعد واشنطن في تجنّب التحول إلى مشارك في كوارث مشابهة في المستقبل».
يأتي هذا التقرير بعدما وافق الكونغرس الأميركي على اقتراح قانون يُنهي الدعم العسكري الأميركي للمملكة في حرب اليمن، في خطوة أقدم عليها المشرعون الأميركيون على إثر تصعيد معارضتهم للرياض، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وكان ترامب قد هدّد باستخدام الـ«فيتو» الرئاسي لوأد اقتراح القانون هذا، لكنه لم يفعل ذلك بعد. إلا أن «الأزمات الدولية» أشارت إلى أن مساعدين لترامب أوضحوا أنهم يدعمون استخدام الـ«فيتو»، ما يعني احتمالاً كبيراً بأنه سيتبع نصيحتهم. وفي هذا السياق، رأت المجموعة أنه «إذا ما حصل ذلك، يجب على الكونغرس أن يزيد من الضغوط من أجل الحفاظ على الزخم الذي بدأ في أواخر عام 2018 (بعد مقتل خاشقجي)»، مشيرة إلى أنه «يجب على الساسة والمشرعين الأميركيين أن يبحثوا عن طرق من أجل تعزيز الضوابط والتوازنات على قوى الحرب لدى السلطة التنفيذية».
روبرت مالي: السعوديون بحاجة إلى وضع حدّ للحرب لكنهم لا يعرفون كيفية ذلك


وفي السياق، أشار السناتور الديموقراطي، كريس مورفي، وهو أحد أبرز منتقدي حرب اليمن، إلى أنه حتى وإن استخدم ترامب الـ«فيتو» الرئاسي ضد اقتراح القانون هذا، فإن الكونغرس بإمكانه دائماً أن يمارس دور «الشرطي السيّئ» في الضغط على المملكة لتغيير سلوكها في اليمن. وقال مورفي، في مؤتمر صحافي تعليقاً على تقرير «مجموعة الأزمات الدولية»، إن «هذه ليست مسألة تتعلق بما إذا كان التحالف سيهزم الحوثيين أو لا، لقد تمت الإجابة عن هذا السؤال»، مضيفاً أن «الحوثيين سيكون لهم دور كبير ومهم في الحكم المستقبلي لليمن، لذلك فإن المسألة تتعلق بتقرير كيف سيعيش السعوديون مع هذا الأمر بطريقة لا تهدد مصالحهم الأمنية على المدى الطويل».
التقرير الصادر عن «الأزمات الدولية» أشار إلى خطأ كلّ من إدارتَي ترامب وأوباما في الحساب بشأن الحرب على اليمن. ولفت إلى أنه «رغم أن إدارة أوباما مارست ضغوطاً أكثر من إدارة ترامب، إلا أن الانقسام في شخصية السياسة الأميركية بقي في النهاية من دون تغيير، كما هو الأمر في عدم فعاليتها بشكل عام»، موضحاً أن «ما تغيّر هو تعامل الكونغرس مع السعودية والحرب». ونقلت «المجموعة» آراء عدد من المسؤولين السابقين والحاليين في الإدارة الأميركية. وبناءً على هذه الشهادات، ذكرت أنه «خلال عهد أوباما، كان هناك اعتقاد واسع داخل الحكومة الأميركية بأن الجيش السعودي، على الرغم من أنه كان مزوداً بشكل جيد بالأسلحة الأميركية، لم يكن قوة قتالية بارعة». والأبلغ تعبيراً عن هذه الحالة، ما نقلته «المجموعة» عن أحد المسؤولين السابقين، الذي قال: «كنا نعرف أننا ربما نصعد في السيارة مع سائق مخمور».
وفيما كان همّ إدارة أوباما تبديد الهواجس الخليجية في شأن الدعم الأميركي، خصوصاً في ظل الاتفاق النووي مع إيران، فقد ارتأت تقديم مساعدة في حرب اليمن ضمن هذا الإطار، بناءً على تحديد فريق كبار مستشاري الأمن القومي الأسباب المبدئية والبراغماتية لتقديم بعض إجراءات الدعم. خلال تلك الفترة، كان هناك الكثير من الأخذ والرد بين المسؤولين في الإدارة الأميركية، الأمر الذي عبّرت عنه مجموعة من ثلاثين مسؤولاً في إدارة أوباما في وقت لاحق ــ أي في عام 2018 تحديداً ــ، بتوقيعهم على رسالة علنية تحدثوا فيها عن «فشل» الإدارة السابقة في سياسة اليمن، مشيرين إلى أن دعم التحالف لم يكن أبداً بنية تحوّله إلى «شيك على بياض»، ولكنه بالفعل بات كذلك. بعض المسؤولين السابقين شعروا بأن واشنطن قامت بخطأ كبير، من خلال السماح لهواجسها، بشأن صحة شراكتها مع الرياض وأبو ظبي، بثنيها عن زيادة الضغوط على «التحالف». وقد رأى أحدهم أنه كان يجب أن تظهر واشنطن على أنها مستعدة لوضع شراكتها كاملة على المحك، عبر إيقاف التراخيص المتعلّقة بالأسلحة، بهدف الحصول على تعاون أفضل في ما يتعلق بالمسار الذي تريده.
بعد التوسّع في الحديث عن عهد أوباما، انتقلت «الأزمات الدولية» إلى الحديث عن عهد ترامب. وأشارت إلى أنه «فضلاً عن سعي الإدارة الحالية إلى استعادة العلاقات مع الخليج، التي كانت قد شهدت ضرراً تحت إدارة أوباما، تعاملت الحكومة الأميركية الجديدة مع الرياض على أنها عنصر مساعد في محاربة الإرهاب وجزء من الناتو العربي الذي سيدير أمن المنطقة». إلا أن التقرير ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأشار إلى تفصيل مهم في إطار هذا التعامل، لافتاً إلى أن بروز صهر ترامب، جارد كوشنر، كشخصية أساسية في دبلوماسية الشرق الأوسط، جعل اليمن خارج الأولوية». أما العنصر الآخر الذي أدى إلى تورّط إدارة ترامب أكثر في مستنقع اليمن، فهو العداء تجاه إيران. فـ«في حين كانت إدارة أوباما ترى أن طهران لديها مخطّطات استراتيجية بشأن اليمن، وخلصت مع الوقت إلى أنه كلّما طالت الحرب باتت العلاقات بين الحوثيين والإيرانيين أقرب، اقتنعت إدارة ترامب بأن اليمن هي ميدان قتال آخر لمحاربة إيران»، وفق تعبير «الأزمات الدولية»، التي رأت أن «هذا الأمر يبرّر، في جزء منه، مواصلة الدعم للحملة». لكن «المجموعة» أكدت أن ترامب أخطأ في الحساب بهذا الشأن، فإيران، «تستفيد في الواقع من استمرار الحرب في اليمن، لأنها تستنزف موارد السعودية وسمعتها بينما لا تخسر هي سوى القليل».
ونقل التقرير عن روبرت مالي، رئيس «الأزمات الدولية»، قوله إن السعوديين «يرون أنهم بحاجة إلى وضع حدّ للحرب (لكنهم) لا يعرفون كيف يفعلون ذلك»، موضحاً أن السعوديين ما زالوا يعتقدون «أننا إذا مارسنا ضغطاً عسكرياً أكبر قليلاً، فإن الحوثيين سينهارون، وبعد ذلك سنكون قادرين على إنهاء الحرب وهزيمة إيران. لكن لدينا أربع سنوات من الأدلة لدحض ذلك».