تختلف التحديات التي تواجهها السعودية في اليمن اليوم عما كانت عليه في السابق. أعداؤها وخصومها ومنافسوها لم يعودوا محصورين ضمن الدائرة التقليدية، بل إن الحرب فتحت أعين الكثير من الأصدقاء والحلفاء الإقليميين والدوليين على موقع اليمن الحيوي والاستراتيجي، وإمكانية الاستفادة منه. تأخَّر النظام السعودي في إدراك حقيقة أن الأدوات المستخدمة منذ ستينيات القرن الماضي في الإمساك باليمن لم تعد تصلح للزمن الحاضر. فجأة، تنبّهت المملكة إلى أنها الخاسر الأكبر في هذا البلد، وليس لديها حلفاء فيه يمكنها الرهان عليهم، فاضطرت إلى استثناء «الإخوان المسلمين» في اليمن من لائحتها لـ«الجماعات الإرهابية»، وهي مرغمة كذلك على التنازل لحليفتها، دولة الإمارات. وانطلاقاً من تلك الهواجس أيضاً، يأتي اللجوء إلى تنويع أدوات التعامل مع الوضع المستجد. من ذلك مثلاً إطلاق «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» (أيار/ مايو من العام الماضي)، والذي تم تفعيله في الشهور الأربعة الفائتة. البرنامج، الذي يشرف عليه السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ليس سوى واجهة لتقوية نفوذ المملكة تحت شعار خدمي وتنموي. بتعبير آخر، يجسد البرنامج فكرة الحرب الناعمة، الهادفة إلى تطويع الناس وحصر اهتمامهم في شؤون معيشتهم.
يتخذ آل جابر، الذي يبدو أشبه ما يكون بمفوّض سعودي سام، من مبنى البرنامج في الرياض مقراً لعمله السياسي. هناك، يستقبل ضيوف المملكة المهتمين بالشأن اليمني، إلى جانب السفراء الأجانب وممثلي الهيئات الإغاثية والمنظمات الإنسانية العالمية، حيث لا يفوّت أي فرصة لتلميع صورة السعودية والتغطية على جرائمها في اليمن. كذلك، يحضر السفير بنفسه مناسبات افتتاح مشاريع سعودية داخل اليمن، خصوصاً في المحافظات الجنوبية التي تُعدّ ساحة تنافس بين «الأشقاء».
البرنامج الذي يشرف عليه آل جابر ليس سوى واجهة لتقوية نفوذ المملكة


في الآونة الأخيرة، استدعى آل جابر معظم القيادات السياسية والقبلية والنخب والإعلاميين والصحافيين من تلك المحافظات إلى مقرّ البرنامج في الرياض، وأطلع زائريه على خطط البرنامج وأهدافه، مع عرض مصور لكشوفات وإحصائيات وجداول صرف وتواريخ، تستهدف إيهام الرأي العام بحرص المملكة على مصلحة اليمن، من دون أن ينسى رمي إخفاقات المرحلة الماضية على حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، التي اتهمها ـــ وهاهنا المفارقة المضحكة المبكية ـــ بأن لا همّ لها سوى التربح واستغلال المناصب.
ويتركز نشاط آل جابر، الموكلة إليه مهمة الإشراف على قرارات اللجنة الرباعية في شأن اليمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات)، والذي يمثل بلاده في كل المؤتمرات المتصلة بالملف اليمني، في المحافظات التي تشكل مدار تنافس مع الدول الخليجية الأخرى، وتشتد فيها الحاجة السعودية إلى تعزيز الأوراق. ويتوزع العمل في تلك المحافظات على النحو الآتي:
- محافظة المهرة: يجري العمل على إقامة ثمانية مشاريع ذات طابع تنموي، وذلك لامتصاص الغضب الشعبي الذي تحول إلى احتجاجات يومية مطالبة بخروج القوات السعودية من المحافظة، والرافضة لمشروع مدّ أنبوب نفطي عبر المهرة إلى بحر العرب. والجدير ذكره، هنا، أن العمل السعودي في هذه المحافظة، والذي كان شبه معدوم في السابق، يتصل أيضاً بسعي الرياض إلى منافسة الدور العماني التاريخي في المهرة، التي تعتبر بالنسبة إلى السلطنة الفناء الآمن.
- جزيرة سقطرى: يتم العمل حالياً على إنشاء خمس مدارس، علماً أن عدد سكان الجزيرة لا يتجاوز 60 ألفاً. وقد بدأ البرنامج السعودي مشاريعه في الأرخبيل بعد إنزال الإمارات، ربيع العام الماضي، قوات عسكرية هناك، واحتجازها رئيس وزراء «الشرعية» السابق أحمد عبيد بن دغر الذي كان يزور الجزيرة، وهو ما استدعى تدخل الرياض للفصل بين الطرفين، والذي أعقبه احتفاظ كلّ من السعودية والإمارات بقوتَيهما في سقطرى، وتكثيف جهودهما لاستمالة السكان المحليين.
محافظة شبوة: يعمل البرنامج السعودي في هذه المحافظة على دعم العديد من المشاريع الزراعية، وبناء خزانات المياه، وتوزيع السلال الغذائية على السكان. وكان «الهلال الأحمر الإماراتي» سبق السعوديين إلى شبوة، التي تشهد في هذه الأيام صراعاً على النفوذ بين أدوات الطرفين (الشرعية والمجلس الانتقالي)، يعيق استفادة اليمنيين من ثروتها النفطية.