لم تأت إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن على قدر تمنيات الإمارات، التي أرادت لها أن تتضمّن إدانة صريحة لـ«أنصار الله»، لكنها في الوقت نفسه ابتعدت عن إيضاح حقيقة العراقيل التي تحول دون تنفيذ اتفاقات السويد، مُؤثِرةً حديثاً عمومياً عن «التفاؤل المشوب بالقلق». بناءً على ذلك، يبدو احتمال عقد جولة جديدة من المفاوضات أبعد مما كان مأمولاً، خصوصاً إذا استمرّ الموقف الأميركي على «سلبيته»، التي تتيح لأبو ظبي ومعها الرياض فرصة الالتفاف على جهود وقف الحرب.وأعرب غريفيث، أمس، في الإحاطة التي قدمها إلى مجلس الأمن، عن أمله في «إمكانية إجراء جولة أخرى من المشاورات في المستقبل القريب»، مؤكداً «(أنني) أعمل مع الجانبين لضمان حدوث ذلك في أقرب وقت ممكن». لكنه قال إن «إحراز تقدم ملموس في شأن الحديدة أمر نرغب في رؤيته قبل أن ندعو إلى المشاورات المقبلة». تقدم مأمول لم يوضح غريفيث كيفية الوصول إليه، كذلك لم يحمّل طرفاً بعينه المسؤولية عن عرقلته، وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول مستقبل اتفاق الحديدة، الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد وصف تنفيذه بـ«المهمة المعقدة». وأرجع غوتيريش، في التقرير الذي رفعه إلى مجلس الأمن عن سير تنفيذ الاتفاق، تلك التعقيدات إلى «انعدام الثقة بين الطرفين، ومخاوفهما في ما يتعلق بتقديم تنازلات عملياتية خارج إطار حل سياسي شامل للنزاع»، إلا أنه امتنع عن تقديم مقترح يمكن من خلاله إزالة الصعوبات المذكورة. وعليه، لا يبدو مفهوماً حديث غريفيث عن الحاجة إلى «تقدم كبير»، في ظلّ إصرار «التحالف» على جعل تفاهمات استوكوهولم مطيّة لانتزاع إنجازات لم يتمكّن من حصدها بالعمل العسكري، تحت طائلة «تهدّد الخطوات القادمة للعملية السياسية، وتعريض فرص السلام للفشل»، وفق ما حذّر منه وزير الدولة للشؤون الخارجية، الإماراتي أنور قرقاش.
وصف غوتيريش تنفيذ اتفاق الحديدة بـ«المهمة المعقدة»


مع ذلك، طلب غوتيريش من مجلس الأمن الموافقة على نشر ما يصل إلى 75 مراقباً في مدينة الحديدة ومينائها لمدة ستة أشهر، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على عملية إعادة الانتشار. وفي حال تبنّي إحدى الدول الأعضاء مطلب الأمين العام للمنظمة الدولية، وتقدّمت به على شكل مشروع قرار إلى مجلس الأمن، فسيتعيّن على الأخير الموافقة عليه بحلول الـ20 من الشهر الجاري، موعد انتهاء التفويض الممنوح لفريق المراقبة الحالي الذي يرأسه الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت. وفي الاتجاه نفسه، شدد غريفيث على ضرورة دعم الجنرال كاميرت وفريقه بهدف «تنفيذ الترتيبات الأمنية» سريعاً، متحدثاً عن «جدية الطرفين والتزامهما اتفاقات استوكهولم»، ومتطرقاً إلى ملفات أخرى، من بينها مشكلتا البنك المركزي ومطار صنعاء الدولي، اللتان قال إنه سيعمل على حلهما قريباً، وعملية تبادل الأسرى التي «ستعقد اللجنة المشرفة عليها اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمّان الأسبوع المقبل»، والأوضاع في مدينة تعز التي «يُتوقع أن تعقد اللجنة المشتركة حولها اجتماعها الأول قريباً».
هذه الوعود التي بدا المبعوث الأممي متفائلاً بإمكانية تحقيقها، لا يظهر ــــ إلى الآن ـــ أنه يستند إلى أرضية صلبة في إطلاقها. إذ إن الاتجاه السلبي لا يزال مسيطراً على مواقف الطرف الموالي للرياض، الذي يصرّ على إنقاذ اتفاق السويد بما يلائم مصالحه، ويدفع في اتجاه تصعيد الضغوط على «أنصار الله» التي يتهمها بـ«المماطلة والالتفاف على ما ورد في الاتفاق من بنود»، وفق ما كرّر وزير الخارجية في حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، خالد اليماني. وهي ضغوط تنمّ عن نية «التحالف» السعي إلى تأليب المنظمة الدولية على «أنصار الله»، والتمترس خلف ما يبدو أنه «غموض» في بنود تفاهمات استوكهولم بهدف قطع الطريق على أي تقدم نحو إنهاء الحرب والترتيب للتسوية السياسية. ولعلّ التصريح الذي أدلى به أمس وزير الإعلام في حكومة هادي، معمر الإرياني، والذي رأى فيه أن «المشكلة لا تكمن في قلة عدد المراقبين (في الحديدة)، ولكن في رفض الميليشيا التزام الاتفاق»، يشي بإرادة الجبهة الموالية لـ«التحالف» الاستمرار في العرقلة، ما لم يطرأ متغير أميركي «إيجابي» على مشهد المراوحة.