يعتب اليمنيون الملتحقون بـ«التحالف العربي» على السعودية والإمارات، لنأيهما بنفسيهما عن معالجة الوضع الاقتصادي المنهار في البلاد الرازحة تحت ضغوط الفقر والجوع، في ظلّ غياب تام للمؤسسات الرعائية والخدماتية الرسمية وغير الرسمية. ولئن كان السائد سابقاً الاعتقاد بأن دول «التحالف» لم تضع خطة اقتصادية شاملة لليمن أو للمحافظات التي تزعم «تحريرها»، فإن الثابت والراسخ اليوم حتى للمقربين أو المطبّلين للرياض وأبو ظبي أن المسألة تتعدّى غياب الرؤية أو خطط الإعمار والإنماء التي وُعِد بها الشعب. المؤكّد أن الاحتلالين ــــ الإماراتي والسعودي ــــ يعملان وفق رؤية واضحة المعالم، ضمن خطة مدروسة ترمي من خلال مراحل متعددة إلى إفقار الشعب اليمني وإذلاله، وصولاً إلى إخضاعه. وهذا ما احتاج قسم من الشعب اليمني ــــ ولا سيّما أبناء المحافظات الجنوبية ــــ إلى حوالى أربع سنوات من عمر العدوان لفهمه واستيعاب تفاصيله.سياسة الإفقار المتبعة من قبل الاحتلال لم تعد عصية على الفهم. والملتحقون اليمنيون بـ«التحالف»، واللاهثون وراء ما بات يُعرف بـ«الصرفية الشخصية» (عبارة عن رشوة مالية شهرية مقابل خدمات إعلامية أو سياسية أو أمنية تقدمها الرياض أو أبو ظبي، وهي بالمناسبة عملية شراء لمواقف الشخصيات مقابل صمتها عن تجاوزات الاحتلال أو كيل المديح لها)، لم يعد أمامهم سوى تبادل التهم على المستوى المحلي بين «حكومة الشرعية» و«المجلس الانتقالي الجنوبي»، اللذين لا يجدان ضيراً في مهاجمة إحدى دول الاحتلال، مع الالتزام بعدم توجيه اللوم إلى الدولة التي تمنح «الصرفية».
الوعود الزائفة هي أكثر من أن تعدّ أو تحصى، لكن ترجمتها على الأرض تكاد تكون عدماً (القليل من السلل الغذائية، وهي غالباً ما تُوزَّع على المحسوبين والمنتفعين)، ابتداءً بوعد إعادة إعمار ما هدمته الحرب ولا سيّما في المحافظات الجنوبية وتحديداً عدن، مروراً بالوديعتين السعوديتين في البنك المركزي، وصولاً إلى منحة المشتقات النفطية البالغة 60 مليون دولار شهرياً، وليس انتهاءً بتقديم 200 مليون دولار كمنحة للبنك المركزي أيضاً. أما المدهش والمستفز في آن، فليس نكث «التحالف» وعوده، بل عدم تفويته فرصة لإطلاق المزيد منها، توازياً مع حملات دعائية وإعلانية وترويجية تستثمر في أوجاع ملايين الجوعى المصارعين من أجل البقاء، الذين يضاف إليهم ما يزيد على مليوني يمني يعملون على الأراضي السعودية، أُجبر الكثيرون منهم على مغادرة المملكة بعد البدء بتطبيق خطة «السعودة»، وصودرت أموالهم، بل إن بعضهم مُنع من العودة بسيارته، ما اضطره إلى بيعها بثمن بخس، أو تركها على المعبر.
تتحمّل السعودية والإمارات كامل المسؤولية عن الوضع الاقتصادي اليمني


هذا السلوك السعودي ــــ الإماراتي لا يمكن ليمني أن يجد مسوّغات له. سابقاً، استهلكت السعودية والإمارات كل الذرائع والحجج في الترويج لسياسة «التحالف» الاقتصادية في اليمن، ليَثبت لاحقاً أن لا وجود لأي خطة اقتصادية. وعلى رغم الأزمة الحادة التي يمرّ بها اليمن، لم يكلّف مسؤولو الرياض وأبو ظبي أنفسهم عناء توضيح الموقف للرأي العام، مكرّرين المزاعم الكاذبة عن هِبات جديدة ستُقدم للشعب اليمني، تضاف إلى أخرى بقيمة 18 مليار دولار تدعي السعودية أنها قدمتها لليمنيين، فيما تتحدث الإمارات عن أربعة مليارات دولار. وهي مزاعم ليست إلا جزءاً من سياسة متبعة من قِبَل الحكومتين السعودية والإماراتية لتضليل الرأي العام والمجتمع الدولي، في حين تثبت الأرقام والأدلة زيفها، وعدم وجودها سوى في الدعاية.
تحالف الحرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يعبأ بالحالة المأسوية التي وصل إليها الشعب اليمني. كل ما يصدر عن الإدارة الأميركية أو الغرب عموماً حول حقوق المواطن اليمني وحمايته من ويلات الحرب ما هو إلا مراوغة وذر للرماد في العيون وتفلّت من المسؤوليات القانونية والأخلاقية والسياسية. والحقيقة أن تلك الدول تسير وفق مصالحها الاقتصادية المرتبطة بصفقات السلاح المبرمة مع السعودية والإمارات، وحتى لو سحبت يدها من صفقة سلاح أو ذخيرة أو ما شابه تحت ضغط الرأي العام أو منظمات حقوق الإنسان، فإنها سرعان ما تتراجع أمام الإغراءات المالية المُقدّمة من الرياض وأبو ظبي، وهذه حالة كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وأخيراً إسبانيا. أما الإدارة الأميركية الحالية فتمارس سياستها من دون مواربة أو مراوغة، فيعلن رئيسها دونالد ترامب جهاراً نهاراً أن إدارته تؤمّن كل مستلزمات الحماية والقوة والبقاء للسعودية مقابل أثمان باهظة، لا تبدو حدودها أو نهايتها واضحة حتى الآن.
وفق القانون الدولي، تتحمّل السعودية والإمارات كامل المسؤولية عن الوضع الاقتصادي اليمني، على الأقل في المناطق التي تخضع لاحتلالهما، حيث يجب عليهما القيام بمسؤوليات القوة المحتلة باستخدام جميع الوسائل المتاحة، لضمان الصحة العامة والإمداد بالغذاء والرعاية الطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال. ومع ذلك، تتنصّل الرياض وأبو ظبي من أي التزام في هذا الإطار، فيما يدفع استمرار تدهور الريال اليمني البلاد نحو كارثة اقتصادية. كارثة بدأ حتى المقربون من «التحالف» يتحدثون عن دور الأخير في إيصال اليمن إليها، متسائلين عن وعود «عاصفة الأمل والتعمير»، التي أُطلقت منذ ثلاث سنوات من دون أن يُبنى جدار واحد من المناطق التي دُمّرت، بالأصل، جراء الغارات والقصف السعودي ــــ الإماراتي.