على وقع سقوط عشرات الضحايا في مجزرة الحديدة المهولة، قدّم المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي حول الملف اليمني. جاءت الجلسة بعد جولة طويلة من المشاورات قادها غريفيث مع الأطراف الفاعلة في اليمن، إضافة إلى عواصم مؤثرة في الصراع في الأسابيع الماضية، بينها واشنطن والرياض وأبو ظبي ومسقط، وآخرها الكويت، فضلاً عن أكثر من زيارة إلى صنعاء.الأهم أن جلسة مجلس الأمن شهدت تحديد المبعوث الأممي موعد المفاوضات المقبلة بين أطراف النزاع ومكان انعقادها، إذ ستستضيفها جنيف في 6 أيلول/ سبتمبر المقبل. لكن ما ظهر في نيويورك أمس لم يكن على مستوى توقعات البعض؛ فعلى صعيد المفاوضات في شأن الحديدة، نعى غريفيث مبادرته التي عمل عليها مطولاً في الأسابيع الأخيرة، قائلاً إنه «لا تتوافر أرضية اتفاق حول الحديدة»، ولو أن «فجوة الخلاف تم تضييقها». وكان المبعوث الأممي سعى إلى إنجاح المبادرة التي تضمنت 17 بنداً، من بينها تولي الأمم المتحدة دوراً في إدارة ميناء الحديدة، وتحويل عائداته إلى البنك المركزي بالتعاون مع السلطات المحلية في الحديدة، وهو ما حصل على موافقة في شأنه من طرف صنعاء فقط، فيما رفضه الإماراتيون والسعوديون. وأراد غريفيث من اتفاق الحديدة التهيئة للخوض في الملف الأشمل، وهو طرح إطار العمل للحل السياسي، عبر هدنة تتبعها مفاوضات لتنفيذ الخطة الأممية للسلام. وقد عبر المبعوث الأممي في كلمته، أمس، عن هذا المعنى، بوصفه الحديدة بـ«مركز الجذب» الجديد للحرب، وتحذيره من أن البحر الأحمر بات «مسرحاً للحرب».
بالأمس، بدا غريفيث أقل قدرة على العمل والتحرك، أو أقل تفاؤلاً، جراء فشل مبادرة الحديدة التي أراد منها مدخلاً مُوطِّئاً لإنجاح مشروعه للحل السياسي. من هنا، طالب المسؤول الأممي مجلس الأمن بدعم «جهود خفض التصعيد واستئناف العملية السياسية». وشكلت مجزرة الحديدة التي سقط فيها 55 ضحية وأكثر من 130 جريحاً، وقبلها استهداف طيران التحالف السعودي - الإماراتي زوارق الصيادين في البحر الأحمر، علامة على عدم استعداد كل من أبو ظبي والرياض لخوض المسار السياسي، ومواصلة الرهان على الميدان على رغم المراوحة والفشل. عبّرت السعودية والإمارات بشكل أو بآخر عن امتعاضهما من عمل غريفيث؛ كونه يحرص حتى الآن على أن يكون متوازناً، على عكس سلفه ولد الشيخ أحمد. وهو امتعاض ينبع من كون التطورات الميدانية التي أراد لها «التحالف» أن تشكل ضغطاً أثناء وجود غريفيث في صنعاء لم تؤدّ إلى ذلك، ما دفع السعودية في الزيارة الثانية إلى تأخير طائرة المبعوث الأممي ساعتين عن موعد مغادرته صنعاء.
وخلال الجلسة، لم يشأ غريفيث إبداء تشاؤمه، إلا أنه ترجم أفكاره في شأن الحديدة بالقول إن حل ملفها يمكن أن يأتي في إطار الحل الشامل، وهو ما يعكس تعثراً واضحاً في تحدي إحداث فجوة في الصراع. وبدلاً من البدء باتفاق الحديدة المتعثر، دعا غريفيث إلى تخفيض التصعيد والتوتر في الحديدة والالتزام بأمن البحر الأحمر، مشيراً إلى مبادرة صنعاء الأحادية الجانب لوقف العمليات البحرية. وشدد على أن هذه الخطوات مقدمة لتحضير الأجواء اللازمة لجولة مفاوضات جنيف.
مصادر متابعة لمسار التفاوض نفت، لـ«الأخبار»، أمس، أن تكون ثمة أجواء إيجابية ومشجّعة على مرحلة مختلفة، خصوصاً أن الإشارات من قِبَل الرياض وأبو ظبي على عكس ذلك. ونفت المصادر أن تكون الكويت المكان المضيف للمشاورات الجارية كما أشيع، وهو ما أكده غريفيث بالإعلان عن جنيف مكاناً لـ«الجولة الأولى» من المفاوضات، بعدما كان تردد أيضاً أن السويد قد تستضيف هذه اللقاءات بين الأطراف الداخلية لحرب اليمن. وأكدت جلسة مجلس الأمن سلبية أفق المفاوضات، عبر مداخلة لمندوب حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، اعتبر فيها أن أي مفاوضات لا تحقق «إنهاء الانقلاب، ستعقّد المشهد».
وشهدت جلسة أمس مداخلات من مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، حيث استهلّت المندوبة الأميركية، نيكي هايلي، كلامها بمهاجمة «أنصار الله» على خلفية مزاعم استهداف ناقلة النفط السعودية في البحر الأحمر وما تسببه العمليات اليمنية ضد السعودية، مُتحدّثة كذلك عن دعم إيران للحركة اليمنية بالأسلحة، قبل أن تعرّج على غارات التحالف الإماراتي - السعودي على سوق الصيادين ومستشفى الحديدة والتي «قد تكون تسببت بخسائر». في المقابل، دعا المندوب الروسي إلى انخراط كل الأطراف المعنية بالصراع في الحوار للتوصل إلى حل مشترك، مشدداً على ضرورة وقف الأعمال العدائية في الحديدة، وصون عمل مينائها بشكل مستقر. وشدد على أن الأزمة اليمنية ليس لها أي حل عسكري، موضحاً أن وجهة نظر موسكو تتمثل في ضرورة خلق توازن لدعم الحل في اليمن، والتعاون مع دول المنطقة «سواء إيران أو الدول العربية».