ظهر مسؤول قوات «حراس الجمهورية» المدعومة إماراتياً، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، العميد الفار طارق محمد صالح، أول من أمس، في استعراض علني لقواته داخل مدينة عدن. وهي المرة الأولى التي يخرج فيها في شكل علني من قاعدة بئر أحمد، في ما يُنظر إليه على أنه استفزاز واضح لأبناء المحافظات الجنوبية. وفي كلمة له أمام قواته، امتدح طارق صالح، في مفارقة عجيبة، «العدنيين» لمواجهتهم «أنصار الله» في ربيع عام 2015، علماً أن القوات التي أُوكلت إليها مهمة الدخول إلى عدن آنذاك هي قوات الحرس الجمهوري المحسوبة على الرئيس الراحل، والتي يُعدّ طارق واحداً من القيادات الرئيسة والفاعلة فيها. ودعا صالح، في كلمته، اليمنيين إلى أن «يكونوا صفاً واحداً لاستعادة وطنهم اليمني وعاصمته صنعاء، ولا شيء غير صنعاء». وهذه مفارقة أخرى، إذ إن «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات، والمتحالف مع طارق، والذي يشكل حماية أمنية وسياسية له في الجنوب، يدعو إلى انفصال الجنوب وإقامة دولة مستقلة فيه عاصمتها عدن.تشكل تصريحات طارق هذه تجلياً جديداً لعودة القوى الشمالية التي شكلت منظومة حكم صنعاء، والمتهمة باجتياح الجنوب عام 1994، إلى عدن بأجندات مختلفة. وتكاد عودة جناحَي تلك المنظومة (حزب «الإصلاح» مُمثَّلاً في علي محسن الأحمر و«المؤتمر الشعبي العام» بقيادة صالح)، والمحمية سعودياً وإماراتياً، لا تختلف عن التواجد السابق من حيث الأدبيات أو الأساليب أو الأهداف. ذلك أن الجناحَين، وإن اختلفا مرحلياً بسبب الصراع الخليجي، إلا أنهما يعملان على تعزيز أوراقهما، ويتطلعان إلى هدفهما النهائي المتمثل في الوصول إلى السلطة في صنعاء، وحكم بقية المحافظات، ومنها المحافظات الجنوبية.
هدف يستبطن حنيناً إلى التحالف المتين بين «المؤتمر الشعبي» و«الإصلاح»، والذي أدى في ما مضى إلى إطلاق يد القوى المتطرفة بقيادة مرشدها الروحي عبد المجيد الزنداني ضد الجنوبيين بصفتهم «أهل كفر وشرك»، وما استتبعه ذلك من أعمال قتل واستباحة أريد من خلالها إخضاع النظام الاشتراكي في دولة الجنوب السابقة والتي كانت تعرف باسم «جمهورية اليمن الشعبية الديموقراطية». وقد جرّ انتصار منظومة الحكم الشمالية في الحرب الأهلية صيف عام 1994 إلى ممارسات ظالمة من قبيل تسريح مئات الآلاف من الموظفين العسكريين والمدنيين في الجنوب، وهو ما ولّد عداوة لدى عدد كبير من الجنوبيين تجاه الوحدة بذاتها. ومن الممكن إيجاز تلك الممارسات التي تَشارك فيها «المؤتمر» و«الإصلاح» في ما يلي:
- الانتقال إلى النظام القبلي الذي تتحكم فيه مراكز النفوذ والقوى، بدل الشروع بتطوير نظام الحكم وصهر المجتمع بشطريه.
«المؤتمر» و«الإصلاح» يشتركان في تطلعهما للعودة إلى السلطة


- قيام حكومة صنعاء بإقصاء جماعي للجيش الجنوبي السابق، من دون تعويض ضباطه وجنوده، ما سبب أزمات اجتماعية وسياسية كبيرة.
- استيلاء السلطة المركزية على أراضي الجنوب، وتوزيعها على القوى النافذة.
- حصر المستفيدين من العائدات النفطية (ومعظمها في الشطر الجنوبي) بالشركات الخاصة المملوكة من شخصيات السلطة أو المقربين منها، وكذلك القوى النافذة في السلطات المركزية، من دون أن تُلحظ أي حصة للجنوب.
- حرمان كوادر وقيادات الجنوب من الوظائف الحكومية العليا، حتى بلغ الأمر حدّ التندّر بأن عبد ربه منصور هادي شغل منصب نائب الرئيس لمدة 18 عاماً من دون مرسوم جمهوري.
- وضع قوانين انتخابية تهضم حقوق الجنوبيين وتحرمهم التمثيل الحقيقي.
على رغم ذلك كله، بقي أهالي عدن يميزون بين القوى العسكرية التي سيطرت على عدن ربيع 2015. صحيح أن رفضهم كان لكل القوى الشمالية من دون استثناء، غير أن غضب أبناء المدينة خصوصاً والجنوب عموماً انصبّ على ألوية الحرس الجمهوري المحسوبة على الرئيس الراحل، والتي كانت في طليعة القوات التي دخلت عدن لمطاردة الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي. اتُهمت هذه الألوية من قبل الأهالي بالتنكيل، وإقامة الحواجز، وإعاقة الحياة في المدينة، وعدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين. لم تكن تُذكر القوات التي دخلت عدن والجنوب إلا ويُذكر معها اسم علي عبد الله صالح، باسمه المعروف شعبياً: «عفاش». وقد ظلّ الجنوبيون خلال السنوات الماضية يلومون «أنصار الله» على تحالفهم مع الرئيس السابق، باعتبار الأخير - إضافة إلى حزب الإصلاح وآل الأحمر - المتسببين الرئيسيين بمأساة الجنوب.