تحديات جمة تواجه اليمن مالياً خلال العام 2016، في ظل التراجع الحاد للإيرادات العامة للدولة نتيجة الحصار والعدوان منذ عشرة أشهر، فالكثير من المشكلات المالية التي رحلت خلال الأعوام الماضية لا تزال حاضرة بقوة كارتفاع الدين العام الداخلي وتوقف عدد من القنوات المالية التي تغذي الموازنة العامة للدولة كإيرادات النفط التي تعتمد عليها البلاد بنسبة أساسية لتمويل الموازنة منذ عقود زمنية. وما ضاعف أيضاً من تلك التحديات هذا العام التراجع الحاد في إيرادات الجمارك والضرائب نتيجة الحصار الجوي والبري والبحري المفروض منذ بداية العدوان.
وعلى الرغم من توقف النفقات الاستثمارية والإبقاء على النفقات الجارية في الحدود الدنيا كمرتبات الموظفين وموازنات الوزارات والنفقات التشغيلية فقط، إلا أن الكثير من الالتزامات التي رحلت إلى العام الحالي تبقى حاضرة وتحتم على «اللجنة الثورية العليا» مواجهتها كفوائد الدين العام الداخلي الذي يرحل من عام إلى آخر والذي تجاوز الـ 3 تريليونات ريال «15 مليار دولار»، والنفقات العسكرية الضرورية التي لا يمكن تجنبها نظراً إلى استمرار العدوان وفشل التسوية السياسية، يضاف إلى ذلك تراجع التبادل التجاري بين اليمن ودول العالم إلى أدنى المستويات نتيجة الحصار.
كذلك، فإن إمعان «تحالف العدوان» في تدمير مئات المصانع الإنتاجية من غذاء ودواء ومواد كمالية سيضاعف فاتورة واردات البلاد من المواد الأساسية من غذاء ودواء، وفق الخطة التموينية لوزارة الصناعة والتجارة للعام الحالي. وبحسب الوزارة، فإنها تسعى إلى الاستيراد خلال العام الحالي 3 ملايين و25 ألف طن من مادة القمح و415 ألف طن من الأرز و673 ألف طن من السكر و98 ألف طن من الحليب ومشتقاته و176 ألف طن من زيت الطعام.
وفي ظل توقف إنتاج النفط نتيجة الحصار والعدوان وتوقف إنتاج أكثر من 160 ألف برميل في اليوم من النفط الخام، إلى جانب توقف عائدات الغاز المسال الذي يصدر إلى كوريا الجنوبية وعدد من دول آسيا، يسعى اليمن إلى استيراد مليوني طن من المشتقات النفطية في حال رفع الحصار المفروض عليه وفق وعود الأمم المتحدة.
ظروف البلاد تستدعي العمل بموازنة عام 2014 بأثر رجعي

ولمواجهة التحديات، أكد رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد الحوثي، الذي عقد لقاءات عدة خلال الفترة الماضية مع قيادات الوحدات الإيرادية كمصلحة الضرائب والجمارك والواجبات، على أهمية العمل في مسارات متنوعة من أجل مواجهة الاستحقاقات المالية لهذا العام. وشدد الحوثي على حاجة البلاد خلال العام الحالي إلى بناء موازنتين: إحداهما تواكب استمرار العدوان والحصار، والأخرى لمواجهة ما بعد العدوان وتحقيق الانتصار عليه وتعمل على سد الاحتياجات الأساسية لمعالجة آثاره التي طالت كل شيء.
وفي الوقت الذي يستدعي إقرار أي موازنة عامة للدولة وفقاً للقانون الموافقة عليها من قبل الحكومة وإحالتها إلى البرلمان ومناقشتها بنداً بنداً، ومن ثم التصويت عليها، الأمر المتعذر حالياً، أكد مصدر في وزارة المالية لـ«الأخبار» أن الظروف الحالية التي تمر بها البلاد تستدعي العمل بموازنة العام ما قبل الماضي بأثر رجعي وفق القانون المالي. وكانت الحكومة المستقيلة برئاسة خالد بحاح قد أقرّت منتصف كانون الثاني، العام الماضي، تمديد العمل بالموازنة العامة للعام 2014 نظراً إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد. واستند حينها وزير المالية محمد منصور في قرار تمديد العمل بالموازنة السابقة إلى نص المادة 88 من الدستور الذي يتيح للحكومة العمل بموازنة العام المنقضي بأثر رجعي.
وعلى الرغم من تقدير عجز الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014 بـ 679 ملياراً و264 مليون ريا،ل أي ما يزيد على 3 مليارات دولار، إلا أن ارتفاع العجز كان بسبب ارتفاع فاتورة استيراد المشتقات النفطية وارتفاع فاتورة الكهرباء المشتراة التي تتجاوز الـ 5 مليارات دولار، ولم تتحدث الحكومة المستقيلة مطلع العام الماضي عن أي تقديرات لارتفاع العجز السنوي، إلا أنها استبعدت «أي آثار سلبية لتقلّبات أسعار النفط على جانب الموارد من جهة والمصروفات». وأشار المصدر في وزارة المالية إلى أن «وزارة المالية أعدت مصفوفة معالجات وتدابير من أجل إصلاح الاختلالات التي سببها العدوان والحصار الاقتصادي على الوطن وتوقف الكثير من الإيرادات الحيوية».
وأضاف المصدر أن «فريقاً من خبراء الوزارة يعملون على إعداد الخطط الكفيلة لمواجهة التحديات والصعوبات والتي من شأنها تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي».
في السياق ذاته، أكد القائم بأعمال وزير المالية، مطهر العباسي، أن الاقتصاد اليمني انكمش العام الماضي بسبب العدوان والحصار بنسبة 36% بالسالب.
وبهدف توفير موارد مالية جديدة، اقترحت وزارة المالية فتح باب ترسيم السيارات غير المرسمة برسوم مخفوضة تتناسب مع الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن اليمني لتعويض العجز في إيرادات الجمارك نتيجة الحصار المفروض وإغلاق كل الموانئ البرية وتراجع الحركة الملاحية في الموانئ البحرية والجوية، وتم تشكيل لجنة إشرافية لوضع الترتيبات اللازمة لفتح باب الترسيم للسيارات ووسائل النقل والمعدات والآليات والذي من المتوقع أن يدر للدولة مئات المليارات من الريالات.
وأقرّت «اللجنة الثورية العليا» بدء عملية الترسيم من كانون الثاني على مرحلتين، على أن يتم فتح المرحلة الأولى لمدة شهر، تليها مرحلة أخرى وفق ما تقره لجان الترسيم المشكلة في العاصمة والمحافظات. ووفق المصادر، فإن التوجيهات تشمل تحسين التحصيل الضريبي لضرائب القيمة المضافة أو الضريبة العامة على المبيعات، وتحصيل الفاقد الضريبي لدى المؤسسات العامة والخاصة. ولتمويل الموازنة، تدرس الجهات الحكومية تجديد تراخيص شركات الهاتف النقال ومنح تراخيص جديدة للنطاق العريض اللاسلكي.
وخلال الأشهر الماضية، عقد القائمون على أعمال الحكومة لقاءات عدة وتم تشكيل لجنة متخصصة لدراسة الموضوع من قبل وزارة الاتصالات ووضع الآليات والسياسات لتجديد تراخيص الهاتف النقال ووضع آلية لتحديد القيمة الأولية للتراخيص والسعر السنوي للطيف الترددي بما يضمن تحسين قواعد المنافسة بين المشغلين وتفعيل الدور الرقابي والإشراف للوزارة على سوق الاتصالات.
في الاتجاه عينه، توقفت معظم النفقات الاستثمارية التي تمول من الموازنات المحلية للمحافظات. وللسبب ذاته، سعت السلطات المحلية إلى تحسين الدخل من خلال ضبط العديد من الموارد المشتركة بين السلطات المركزية والمحلية بموجب قانون السلطة المحلية رقم 40 لعام 2000 ورفع كفاءة التحصيل الضريبي وتحصيل الرسوم القانونية في مختلف المجالات لسد العجز الناتج من الحصار والعدوان في الموارد المحلية. كذلك أقرّت السلطات المحلية في أمانة العاصمة خفض رسوم غرامات المخالفات المرورية بنسبة 50% لتحسين مواردها المالية.