يوماً بعد يوم، تتآكل صلاحيات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. انحصر دوره العسكري حتى الأمس القريب في الموافقات القانونية على العمليات العسكرية للقوات المحلية التي تقاتل إلى جانب «التحالف»، بالإضافة إلى التعيينات والمناقلات الخاصة بالضباط والقيادات العسكرية، فيما الإمرة والخطط العسكرية، والدعم اللوجستي والتزود بالسلاح والذخائر، بالإضافة إلى رواتب ما يقرب من 220 ألف ضابط وجندي، تقع كلّها على عاتق الجانب السعودي. السعوديون من جهتهم، يستفيدون من توقيع «رئيس جمهورية اليمن» على الغارات الجوية التي تغطي الجبهات العسكرية، وتلك التي تتعمد إدماء الشعب اليمني والتجزير به، في الأسواق والمدارس والمستشفيات والأعراس والأحياء السكنية. وفي هذه الحالة، يشكّل توقيع الرئيس المعترف به دولياً حاجة ضرورية للرياض، للتحلّل في ما بعد من التبعات القانونية والسياسية أمام المحافل الدولية والهيئات الإنسانية والقانونية، وادعاء شرعية الحرب، وقانونية العمليات العسكرية الموقّعة من أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد.
ما تناقله العديد من وسائل الإعلام اليمنية، وأكدته لاحقاً مصادر مقربة من مكتب هادي لموقع «العربي»، من أن الرئيس وجّه قادة المناطق العسكرية التابعة لحكومته بـ«اعتماد أي توجيهات صادرة عن قائد القوات المشتركة للتحالف، الفريق فهد بن تركي بن عبد العزيز، على أنها توجيهات صادرة عن رئيس الجمهورية» لا يمكن اعتباره تنازلاً جديداً؛ ذلك أن صلاحية السلم والحرب مسلوبة منه منذ أن أُعلن العدوان على اليمن في واشنطن. وكان هادي قد اعترف بنفسه لإحدى المحطات التلفزيونية بأنه علم بالحرب أثناء فراره إلى مدينة عدن أواخر شهر آذار/ مارس 2015، كما أن السفارة الأميركية في مسقط رفضت إعطاءه تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، بالتزامن مع توجيه دعوة له إلى الرياض، ما فُهم منه أن قرار الحرب قد اتُّخذ، وأن واشنطن الراعية للرئيس المستقيل أثناء وجوده على رأس السلطة السياسية في صنعاء فوّضت إلى الرياض شأن إدارته والاستفادة من شرعيته المزعومة، على أن تتولى واشنطن الدعم السياسي، بالإضافة إلى دورها في الإسناد اللوجستي والاستخباري والتسلحي. وهو بهذا لا يختلف عن أي من الرؤساء الموالين للولايات المتحدة، من حسني مبارك إلى زين العابدين بن علي وغيرهما، لناحية كونه وديعة أميركية يمكن استردادها وفق حاجة واشنطن، أو الاستغناء عنها.
صلاحية السلم والحرب انتُزعت من هادي منذ أن أُعلن العدوان على اليمن


لقد سقطت مزاعم السعودية عن أن خوض الحرب على اليمن إنما جاء بطلب من الرئيس هادي، وهي مزاعم باطلة ولا أساس لها من الصحة، وقد دحضتها الأحداث. فالرجل الذي يُفترض أنه يمتلك صلاحية الإقالة والتعيين في المستويات العسكرية والمدنية والسياسية يظهر عاجزاً أمام أحد موظفيه في إدارة شرطة عدن (شلال علي شايع)، فيضطر إلى أن يرفع شكوى إلى مجلس الأمن، متهماً إياه بالتمرد وتجاوز صلاحياته. كذلك، فإن هادي المقيم في الرياض بشكل قسري يقف مكتوف اليدين أمام سيل الإهانات التي تُوجّه إليه من قبل الإمارات، وأقصى ما يمكنه فعله التلويح عبر مقربيه بسحب تفويضه لها من المشاركة في الحرب، وهو إجراء تعلم أبو ظبي استحالة تحققه، وأن هادي لا يملك الجرأة على اتخاذه، لأن من شأنه فرط عقد «التحالف» برمته. ولا تقتصر الإهانات الموجّهة لهادي على الجانب الإماراتي، بل إن أسوأها يكاد يأتي من الجانب السعودي، ويتجلى ذلك في إهمال الأخير المتزايد للرئيس المستقيل، سواء من قِبل الملك أو ولي عهده أو وزرائه أو مسؤول الاستخبارات العامة الذي عادة ما يرسل أحد ضباطه لمقابلة هادي أو حتى مسؤول «اللجنة الخاصة» المعنية بشؤون اليمن، محمد القحطاني، الذي يرفض لقاء الرئيس. وحتى لو ألحّ الأخير في طلب لقاء المسؤولين السعوديين، فإن طلبه يُلبّى من أجل التقاليد البروتوكولية فقط، من دون الخوض في الشؤون اليمنية وتعقيداتها.
وعل الرغم من ذلك كله، إلا أن دور هادي لم ينتهِ، فلا يزال للرجل ما يمكنه القيام به من وجهة نظر السعودية، وهو الوقوف بوجه التمدد الإماراتي بالوكالة عن الرياض، التي تمنعها مقتضيات التحالف مع أبو ظبي، وكذلك أسباب إقليمية وأميركية، من المواجهة المباشرة، فتدفع بهادي إلى الوقوف بوجهها، كما حصل أخيراً في جزيرة سقطرى، حيث افتعلت حكومة أحمد بن دغر المشكلة مع الإمارات بدعوى السيادة الوطنية، لتتدخل السعودية بإنزال قواتها في الجزيرة، وتقاسمها مع القوات الإماراتية، فيما غادر بن دغر ووزراؤه الأرخبيل عائدين إلى الرياض.