على أعتاب الموعد المفترض لتقدم المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بإطاره التفاوضي إلى مجلس الأمن الدولي، ترسل الولايات المتحدة إشارات إضافية إلى غياب أي نية لديها للعمل الجاد على وقف عمليات حليفتها السعودية في هذا البلد. وعلى رغم الحديث الإماراتي المثير للانتباه عن تصاعد حظوظ التسوية السياسية، إلا أن الشروط المرفقة بذلك التقدير، مضافةً إلى إعلان إدارة دونالد ترامب عزمها الاستمرار في تزويد «التحالف» بالأسلحة والذخائر، تشي بأن مهمّة صعبة تنتظر غريفيث، وبأن دون الجلوس إلى طاولة المفاوضات مخاضاً تتطلّع من ورائه الرياض وأبو ظبي إلى انتزاع أكبر قدر من التنازلات من «أنصار الله». بخلاف ذلك، لا يمكن تفسير إصرار «التحالف» على المضي في القتال خلال شهر رمضان، ورفضه «مبادرة أوروبية لهدنة في هذا الشهر قَبِلتها حركة أنصار الله» بحسب ما أكد أمس أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني. رفض يستبطن رهاناً على «تغيير الحسابات وتحقيق حل سياسي»، بتعبير وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في مقابلة مع موقع «ديفنس وان» الأميركي. أقرّ قرقاش بما كان جرى الحديث عنه من أن التصعيد غير المسبوق على مختلف الجبهات إنما يستهدف «الضغط العسكري» على «أنصار الله»، لا «البحث عن نصر عسكري شامل». لكن المسؤول الإماراتي ربط «الجلوس إلى طاولة المفاوضات هذه المرة» بسلسلة شروط يصعب تصوّر ارتضاء سلطات صنعاء بها. في مقدمة تلك الشروط يأتي «استبقاء قوات التحالف العربي في اليمن» بعد انتهاء الحرب، بهدف مساعدة «الدولة اليمنية التي ستظهر (عقب هزيمة أنصار الله)» (والتي ستكون دولة ضعيفة وفق ما يدعي قرقاش)، ما يعني الاعتراف بشرعية التواجد الأجنبي في اليمن وتكريس نوع من الانتداب على هذا البلد. وفي ثاني الشروط المشار إليها يبرز «إخراج الحوثيين ميليشياتهم من العاصمة ومراكز المحافظات»، وهو ما يدور حوله الخلاف لكون المعني بـ«الميليشيات» من وجهة نظر السعودية والإمارات هو الجيش واللجان الشعبية اللذين يرفضان منعهما من ممارسة حقّ السيادة على كامل الأراضي اليمنية.
تطالب الإمارات بتكريس نوع من الانتداب على اليمن بعد انتهاء الحرب


من هنا، يمكن توقّع فصول جديدة من التصعيد خلال الفترة الفاصلة عن منتصف حزيران/ يونيو المقبل، الموعد الأقصى لتقدم غريفيث بخطته إلى مجلس الأمن، بهدف مفاقمة ما ترى الرياض وأبو ظبي أنها «حالة تراجع» تعيشها «أنصار الله»، وبالتالي إنضاج الظروف التي «باتت مواتية الآن لإنجاح التسوية» بالنسبة إلى قرقاش ومن يمثّل. هدف يظهر أن الغطاء الأميركي، السياسي والعملياتي، المتوافر له منذ سنوات، سيمتدّ أشهراً إضافية إلى أن ترى إدارة ترامب أن دعم «التحالف» في اليمن بات غير ذي جدوى. هذا ما توحي به تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أمس، حيث أجاب عن سؤال خلال جلسة استماع داخل الكونغرس في شأن بيع ذخائر دقيقة التوجيه إلى السعودية والإمارات بقوله إن «تقديم هذه الذخائر يقلّل في الواقع من أخطار» وقوع مدنيين خلال النزاع. وجاءت إفادة بومبيو في وقت تجرى «عملية مراجعة غير رسمية مدتها أربعون يوماً» لصفقة كانت أقرّتها إدارة ترامب العام الماضي، تبيع بموجبها الرياض وأبو ظبي أكثر من 12 ألفاً من الذخائر دقيقة التوجيه بما لا يقلّ عن سبعة مليارات دولار. وهي مراجعة لا يتوقع أن تؤدي إلى عرقلة الصفقة؛ بالنظر إلى أن البيت الأبيض يستطيع المضيّ فيها ولو اعترض المشرّعون إلا في حال أقرّ الكونغرس مشروع قانون من شأنه تعطيل عملية البيع، في خطوة تظلّ مستبعدةً أخذاً في الاعتبار موازين القوى داخل المؤسسة التشريعية والتي لا تزال مائلة لمصلحة شركات الأسلحة.
هذه الموازين هي ما سيودي، على الأرجح، بمشروع قرار جديد في شأن اليمن صدّقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إلى المصير نفسه الذي كان لاقاه «مشروع ساندرز - لي» بعد رفضه من قبل غالبية أعضاء الكونغرس في آذار/ مارس الماضي. وعلى رغم الصيغة المخفّفة التي يحملها المشروع الجديد، والتي تتيح لإدارة ترامب التنصّل من تنفيذه في حال تفنيدها موانع ذلك، واحتجاجها بجهود تبذلها لحمل الرياض على إنهاء الحرب، إلا أن المسودة التي تطالب بوقف تزويد الطائرات السعودية بالوقود عند الفشل في تقديم ضمانات بتحسن سلوك المملكة في اليمن يُتوقّع أن تواجه معارضة داخل الكونغرس. معارضة لا يبدو أن المطالبات الحقوقية المتصاعدة بوقف الدعم الأميركي لعمليات «التحالف»، والتي كان آخرها دعوة منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى حظر أي مبيعات تسليحية إضافية للسعودية، ستفلح في تبديدها، أقلّه على المدى المنظور.