سؤالٌ يتكرر عند أي تحرك دبلوماسي أو سياسي، أو جولة من جولات المفاوضات، أو زيارة لمسؤول خليجي، أو تصريح لأحد مسؤولي الدول الكبرى...، وكذلك في الجولات الميدانية المستهلكة بالتكرار على الجبهات، أو مع التطورات الداخلية في كل من السعودية واليمن. لكن الحقيقة أن نهاية الحرب أو استمرارها، بأيّ شكل كان، له علاقة بالقدرة على تكوين نظام الحكم السياسي لليمن، وولاء هذا النظام للمحاور الإقليمية والدولية أو استقلال قراره، وموقفه من القضايا المؤثرة في الإقليم. فالمطلوب سعودياً أن يبقى اليمن ضعيفاً، ويُقسّم إلى دويلات مناطقية وقبلية تتناحر في ما بينها، وتعمل بالتبعية لدول الخليج وغيرها.إن صياغة الأهداف التي شنّت السعودية الحرب على اليمن على أساسها هي صياغة لا تدع مجالاً إلا للاعتقاد بأن السعودية تريد الهزيمة الكاملة لـ«أنصار الله»، والإتيان بنظام تبعية يعمل وفق أجندتها، ولا إشكال حينذاك فيما إذا كان اليمن دولة مركزية أو دويلات متناحرة. فالمهم هو ضعف تلك الدولة، وإفقار شعبها، حتى لا يتسنى له التفكير في استقلاله والاستفادة من موارده البشرية والطبيعية وموقع بلاده الحيوي. وعلى الرغم من الإجماع الإقليمي والدولي على فشل الخيار العسكري، والهزائم الميدانية المتتالية للسعودية وحلفائها، إلا أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الممسك بزمام الحكم، يستمر في عناده، متجاهلاً غرق بلاده في المستنقع اليمني، بحسب تعبير المطلعين والخبراء.
لم يستطع المسؤولون السعوديون الابتعاد عن منطق الغلبة والاستئثار والانكار، وهم في ميزان التكلفة السياسية والمالية والعسكرية حاضرون للمضي في الحرب مهما بلغت خطورة تأثيرها على اقتصادهم. كذلك، فإن السياسة الخارجية السعودية قائمة على استجداء الشرعية الدولية لكسب الحرب على اليمن، باعتبار الأخيرة حاجة وجودية، وتأثيرها يتوسع ليطال الإقليم بأسره. وقد نجح النظام السعودي في الحفاظ على دعم الدول الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، لعملياته، وإن بكلفة باهظة جداً. وعلى الرغم من الصخب المعارِض الذي صاحب زيارة ابن سلمان لكل من لندن وواشنطن، إلا أن الحفاوة والترحيب والاتفاقات التي خرج بها تؤكد أن الغرب ينافق في دعوته إلى حلّ النزاع في اليمن بالطرق السياسية.
تبقى الخشية السعودية من تحول اليمن إلى بلد غني يأخذ دوره الطليعي في الإقليم هاجساً ماثلاً أمام أعين قيادة المملكة، إذ يعتقد الأمراء في الرياض أن غنى اليمن وسيادته سيكونان على حساب مملكتهم. وقد نُشر في الآونة الأخيرة الكثير من الدراسات والأبحاث، التي أكد فيها خبراء اقتصاديون، ومنهم أميركيون، أن اليمن الفقير بإمكانه أن يصبح من ضمن الاقتصادات الكبرى في العالم في وقت قياسي، حال خروجه من التحديات الحالية، وذلك لامتلاكه الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي على الخارطة العالمية، واستحواذه على المقومات الاقتصادية والجغرافية المؤهّلة لذلك، وهي على النحو الآتي:
1- ميناء عدن، ثاني ميناء استراتيجي في العالم، لقربه من عصب التجارة العالمية (باب المندب). يتطلب تنشيطُه فقط وضعَه في مجال المنافسة التجارية بشفافية مطلقة، علماً بأن العديد من دول العالم ترغب في الاستثمار فيه، ومنها الصين التي أبدت أخيراً استعدادها لذلك. وتُقدّر عائدات الميناء الاستثمارية في حال تشغيله بمئات المليارات من الدولارات، كما أن بإمكانه توفير فرص عمل لمئات الآلاف من اليمنيين وغيرهم. ومن شأن تطوير ميناء عدن، وبقية الموانئ اليمنية على خليج عدن والبحر العربي على الامتداد الساحلي، جعلها واحدة من أكبر محطات الترانزيت العالمية، بما يضاهي شبه القارة الهندية ودول شرق آسيا.
2- ميزة الموانئ اليمنية في البحر الأحمر، والتي تتفوق من خلالها على موانئ السعودية والسودان والقرن الأفريقي، هي العمق، لا سيما منها ميناءي الحديدة والصليف، اللذين يمكن أن يَدُرَّ استثمارهما عشرات مليارات الدولارات، كعائدات ترانزيت فقط.
3- احتواء محافظة الجوف المحاذية للسعودية على مخزون نفطي هائل، منعت السعودية اليمنيين من الاستثمار فيه بذريعة أن استخراج النفط هناك سيكون على حساب الجانب السعودي، بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الواعدة في مأرب وحضرموت.
4- سعي السعودية ودول خليجية أخرى إلى إيجاد بديل من مضيق هرمز، للحصول على منفد بحري لتصدير النفط عبر البحر العربي. وقد كشفت وثائق «ويكيليكس» عن مخطط سعودي لبناء قناة (قناة سلمان) تمرّ من الأراضي السعودية عبر حضرموت، وتصبّ في بحر العرب بطول 2000 كلم.
إذاً، هي ميزات حيوية تغري الدول العظمى، وتلك الحليفة لها في الإقليم، بالهيمنة والتسلط، خصوصاً منها السعودية التي رُبط بقاؤها تاريخياً بالوصاية على اليمن وإخضاعه، والتي تربطها رابطة عضوية بالمشروع الأميركي الذي أُحبطت الكثير من خططه في سوريا والعراق، في حين أن غالبية الشعب اليمني ترى أن الموقع الطبيعي لبلادها هو في مقدمة المتصدين لذلك المشروع.