التقى المتحدث باسم حركة «أنصار الله» محمد عبد السلام، قبل يومين، وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في العاصمة الإيرانية طهران، التي يزورها وفد من الحركة بشكل رسمي للمرة الأولى منذ اندلاع العدوان السعودي في آذار/ مارس 2015. زيارة أثارت جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، وخصوصاً أن مغادرة عبد السلام العاصمة صنعاء، في 27 كانون الثاني/ يناير الماضي، لم يُعلن عنها إلا بعد وصوله إلى سلطنة عمان، حيث قال في تغريدة على «تويتر» إنه في مسقط «لمواصلة الجهود مع المجتمع الدولي، لشرح ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان ظالم وحصار غاشم».
وتزامن وصول عبد السلام إلى مسقط مع حلول وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسن، في المنطقة، لبحث الملف اليمني وملفات أخرى، عقب أيام من اجتماع اللجنة الرباعية بشأن اليمن في لندن.
المؤكد أن وفد «أنصار الله» التقى الوزير البريطاني بشكل غير معلن، ربما رغبةً من الحركة في جعل المشاورات في غرف مغلقة، للنظر في ما تحويه جعبة جونسن بعد تسلم بلاده ملف اليمن، بتعيين بريطاني خلفاً للمبعوث الأممي الحالي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد. تضاف إلى ذلك اللقاءات التي انعقدت بين الوفد والعمانيين، وأيضاً بين الوفد ومسؤولين أمميين، ليس من بينهم ولد الشيخ، وجميعها كانت بشكل غير معلن.
اللافت أن مغادرة وفد «أنصار الله» إلى مسقط سبقها تصعيد عسكري كبير على جبهة الساحل الغربي من قبل «التحالف» والقوات الموالية له. تصعيد أعقبه هدوء ثم اشتعال من جديد، ما أوحى بأن ما جرى على تلك الجبهة أُريد استخدامه كورقة ضغط لمساومة الوفد في مسقط، لكن الأكيد أن «أنصار الله» لم ترضخ لما طرحه البريطانيون في لقاءات مسقط غير المعلنة.
وحده لقاء عبد السلام بظريف تم في العلن، لكن لماذا؟ تكشف معطيات اللقاءات التي انعقدت في عمان، ومعها المعطيات الميدانية، أن السعودية والإمارات وبريطانيا أرادت إحراز تقدم ميداني على جبهة الساحل الغربي بأي ثمن، بهدف تصعيد الضغوط على «أنصار الله»، وإشهار معادلة «إما القبول بما طُرح في عُمان أو احتلال الحديدة» بوجهها. لكن كانت النتيجة أن رَفَضَ الوفد هذه المساومة، واتجه إلى «خيار صعب» ــ من وجهة نظر سياسيين في صنعاء ــ وهو التلويح لـ«التحالف» ومسانِديه الغربيين بإمكانية اللجوء إلى إيران، كحليف بمقدور «أنصار الله» الانتقال إلى مجالات أرحب في العلاقات معه.
من هنا، يمكن فهم إشهار لقاء الناطق باسم «أنصار الله» مع وزير الخارجية الإيراني كرسالة لكل من واشنطن ولندن وأبو ظبي والرياض، التي تدرك جميعها أن ما تدّعيه من «تبعية أنصار الله لإيران» مجرد شمّاعة تستخدمها لتبرير جرائمها في اليمن، وتنفيذ مخططها التفتيتي. وعليه، فإن تحالف «أنصار الله» مع إيران لن يكون تحالفاً سياسياً فقط ــ وهو ليس كذلك حتى الآن ــ بل قد يتطور إلى تحالف عسكري.
لا يدرك حكام الرياض وأبو ظبي، ومن ورائهم حلفاؤهم الغربيون، أنهم بممارساتهم يدفعون صنعاء إلى طلب المساعدة من إيران، بعدما وقف العالم أجمع بوجه الأولى لمجرد أنها رفضت الوصاية الخارجية. وما يجدر التنبه إليه هنا أن طهران تنتظر فرصة من هذا النوع لتعزيز وضعها الإقليمي، وترجيح كفتها أمام واشنطن وتل أبيب.
* صحافي يمني