يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية ستحافظ، إلى وقت غير معلوم، على ضوئها الأخضر الممنوح للسعودية في حربها على اليمن، والتي تشارف إنهاء عامها الثالث. يتقدم ذلك الاحتمال بقوة، على الرغم من أن المعارك التي اشتعلت منذ حوالى شهر ونصف شهر لم تؤدّ إلى تحقيق غاياتها العسكرية.
إذ إن الجولة الأخيرة التي انطلقت بداية الشهر الماضي، بالتزامن مع محاولة الانقلاب في صنعاء، لم تسفر إلا عن خروقات متبادلة بين الطرفين. خروقات لم تصل إلى حد إحداث تبدلات في الوضع الميداني، أو انعكاسات على المستوى السياسي؛ بسبب محدوديتها وبعدها عن المناطق الوازنة ذات التأثير. على الرغم من ذلك، إلا أن من المرجح أن تستعر الجبهات في الفترة المقبلة للاستفادة من المهلة الأميركية المُمدّدة، والتي يتوقع تمديدها هي الأخرى طالما لم يحقق «التحالف» أهدافه.
على خط مواز، يعود حديث المشاورات السياسية إلى الواجهة مع وصول وفد أممي، برئاسة نائب المبعوث الخاص للأمين العام للمنظمة الدولية إلى اليمن، معين شريم، إلى صنعاء. لكن هذه الزيارة لا يُتوقّع أن تؤدي إلى إعادة قطار المفاوضات إلى سكّته، في ظل تعنت حكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، في شروطها التفاوضية، ورفض «أنصار الله» فتح بابها للموفد الأممي الذي تتهمه بالانحياز ضدها.
واستبق وزير خارجية حكومة هادي، عبد الملك المخلافي، زيارة شريم، بتسجيل موقف معطل للحلول السياسية، عبر طرحه خمسة شروط للموافقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، هي أقرب ما تكون إلى طلب استسلام من «أنصار الله»؛ إذ تنص على ما يأتي: أولاً: توقف «أنصار الله» عما وصفه بـ«الجرائم المرتكبة ضد السياسيين والمدنيين في اليمن»، والإفراج عن كل المعتقلين دون استثناء. ثانياً: وقف إطلاق الصواريخ. ثالثاً: وقف «الاعتداءات» على المدن وحصارها. رابعاً: السماح للإغاثة بالوصول إلى المواطنين من دون اعتراضها. خامساً: الاستعداد الصريح والواضح للالتزام بالمرجعيات الثلاث، وألا تكون المفاوضات إلا على أساس تلك المرجعيات. شروط أفردت لها وسائل الإعلام الموالية للعدوان مساحة خاصة، وعمدت إلى إبرازها والتشديد عليها، ما يوحي بأن تشدد المخلافي إنما ينبع من موقف مماثل لدى «التحالف».
في المقابل، رفضت قيادة «أنصار الله» استقبال الوفد الأممي؛ احتجاجاً على ما تعتبره انحيازاً كاملاً من قبل ولد الشيخ إلى الجانب السعودي. لكن ذلك لم يمنع اللقاءات الرسمية بين مسؤولي حكومة الإنقاذ وبين شريم، الذي التقى، ابتداءً، رئيس حكومة صنعاء، عبد العزيز بن حبتور، أول من أمس. ونقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن بن حبتور قوله للوفد الأممي إن «السلام هو خيار استراتيجي للشعب اليمني وليس الاستسلام أو رفع الراية البيضاء»، وتشديده على أن «استئناف العملية السياسية ينبغي أن يكون مع المعتدين أنفسهم، الذين يقصفون اليمن ويقتلون الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ». وأشار إلى أن «قرار العدوان على اليمن سعودي بامتياز»، مضيفاً أن «حكومة الفنادق لا تملك أي فرصة أو صلاحية لتحقيق السلام المنشود»، داعياً «العالم أجمع إلى أن يفهم هذا الأمر، وأن يعي حقيقة المعادلة على الأرض، والقائمة على عدوان وحصار سعودي ومقاومة يمنية شعبية باسلة».
ويوم أمس، التقى شريم وزير خارجية حكومة الإنقاذ، هشام شرف، الذي أكد أن «لا حل عسكرياً في اليمن بالرغم من كل تصعيد يقوم به العدوان»، وأن «اليمن سيبقى صامداً وسيتجاوز كل الرهانات». ولفت إلى أن «القيادة السياسية، ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، تنتهج الدعوة للتسوية السياسية وتحقيق السلام العادل والمشرف والمنصف للشعب اليمني».

رفضت قيادة «أنصار الله» لقاء نائب المبعوث الأممي


وكان رئيس اللجنة الثورية العليا، محمد علي الحوثي، قد رفض، يوم الأحد الماضي، لقاء نائب المبعوث الأممي، معللاً ذلك بـ«استمرار الأمم المتحدة في عدم تحمل مسؤولياتها إزاء معاناة الشعب اليمني». ونبّه الحوثي، في رسالة تسلّمها معين شريم، إلى أن «شعبنا اليمني فقد الثقة بالحوارات السياسية العقيمة، وأصبح لا يراها سوى عبث، طالما أن قضية الرواتب لا تمثل أولوية في تلك الحوارات». وفي رسالة أخرى إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، شدد الحوثي على أن «تسليم المرتبات يمثل بداية الحل الحقيقي للخروج من شبح المجاعة الذي يهدد الشعب اليمني»، مذكّراً بـ«التزام الأمم المتحدة للشعب اليمني في ما يتعلق بمرتبات موظفي الدولة... بعد تمريرها قرار نقل عمليات البنك المركزي، وتمكين الطرف الآخر من الموارد العامة للدولة وعلى رأسها العملة المطبوعة في روسيا والتي تقدر بستمئة مليار ريال»، مكرراً اتهامه المنظمة الدولية بـ«المساهمة في تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن عبر ربطها بين تسليم الموانئ والمنافذ وتسليم المرتبات».
من جهته، وفي إشارة إلى عدم ممانعة «أنصار الله» العودة إلى طاولة المفاوضات، قال عضو المجلس السياسي لـ«الحركة»، حمزة الحوثي، في حسابه على «تويتر»، إن «الوفد المفاوض القادم سيكون وفداً واحداً برئيس واحد... وستشكله القيادة السياسية من كل القوى والأحزاب الموقعة على اتفاق السلم والشراكة، المناهضة للعدوان والمشاركة في الدولة. ولقيادة البلد، وليس الأحزاب، الحق في تغيير من ترى من الأعضاء أنّى تشاء».