تدرك الولايات المتحدة الأميركية أن المجازر السعودية بحق الشعب اليمني تسيء إلى سمعتها وتحدث ضرراً كبيراً في ادعاءاتها راعيةً لحقوق الإنسان ومدافعةً عن المعاهدات والقوانين العالمية التي تفرض على الدول تحييد المدنيين زمن الحرب، ورفض استخدامهم كأوراق سياسية للضغط مثلما تفعل الرياض مع صنعاء. وهي، أي واشنطن، تغضّ النظر عن حلفيتها السعودية في فرض الحصار المطبق في خطة منسقة مع لندن لتجويع الشعب اليمني كأداة من أدوات الحرب.
فانسداد الأفق السياسي والإخفاق الميداني للقوات السعودية والإماراتية في الحرب على اليمن، ولا سيما بعد فشل المشروع الأميركي في كل من العراق وسوريا فرضا على واشنطن التصدي المباشر عن حلفها المعادي لليمن مقابل الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب. وهذا اقتضى أن تخلع قفازاتها وتكشف عن أنيابها. وعلى أي حال، إن تطور الصراع إلى مستوى متقدم ودخول القوة الصاروخية اليمنية في ميزان الردع الاستراتيجي وتشكيلها تهديداً خطيراً للاستثمارات الأجنبية وضرباً لهيبة المنظومة الخليجية التابعة لواشنطن يحتّم على الأخيرة الانتقال إلى مرحلة تختلف عن المرحل السابقة، إذ لم يعد الستاتيكو الحالي يتلاءم مع المصالح الأميركية، كذلك فإنه يُكسب صنعاء ثباتاً واستقراراً على المستوى الداخلي، أو الاعتراف بهم أمراً واقعاً سيفرض نفسه على الجميع. في هذا الإطار، لا تدفع اشنطن ضريبة عن الرياض، بل هي تدفع عن نفسها شرّ الهزيمة. وما التبني الكامل للغلو السعودي من قبلها إلا دليل على التصاقها والتحامها باهداف الرياض، والانطلاق من أن خسارة الأخيرة له تأثير مباشر على مصالح واشنطن في اليمن خصوصاً والإقليم بالعموم. يظهر ذلك في كل مرة، وليس آخرها الضجة السياسية والإعلامية التي افتعلتها واشنطن على أثر سقوط الصاروخين اللذين أطلقهما الجيش اليمني على الرياض، لدرجة أن المتابعين اعتقدوا أن واشنطن المهددة بالصواريخ لا الرياض.
ذهاب الإدارة الأميركية إلى التبني الكامل للأساليب الوحشية التي يمارسها النظام السعودي بحق المدنيين اليمنيين، باعتبار المملكة «المفتاح الأميركي» الأساسي في المنطقة ولا تستطيع الاستغناء عنه، أو إيجاد بديل مناسب يحفظ مصالحها من دونها. ومشكلة واشنطن في هذا الإطار أن حليفيها (الرياض وأبو ظبي) غير قادرين على تحقيق النصر الحاسم، وأقل من النصر في الحرب اليمنية يعدّ هزيمة نكراء. وأمام عجز «الحلفيين» عن تحقيق القضاء على «أنصار الله» في جبهات القتال وفشل الرهان على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لجأوا إلى زيادة المجازر بحق المدنيين، في محاولة للهروب إلى الأمام للتغطية عن مآزقهم المتلاحقة. يأتي ذلك، كعقاب جماعي يهدف إلى إدماء الشعب اليمني، ودفعه إلى الوقوف بوجه «أنصار الله» من جهة، والضغط على واشنطن لاتخاذ قرار بالمشاركة البرية المباشرة في الحرب. وقد لوحظ الغياب التام لتعليقات كل من واشنطن ولندن عن مجموعة المجازر المتنقلة في الأيام الأخيرة في اليمن، إذ إن الدولتين لم تعودا تنأيان بأنفسهما عن الحصار المفروض على اليمن، أو الاكتراث بوجود خطة تسهم في امتصاص غضب المنظمات الإنسانية ونقمتها حيالهما، وفي إخفاء حقيقة تورطهما العميق في حرب اليمن.
مع الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشاركان في الحرب عبر تقديم الخدمات اللوجستية والفنية والاستخبارية، والتحديث الدائم لبنك الأهداف، بالإضافة إلى وجود خبراء أميركيين وبريطانيين في الحدود بين البلدين، وغرف العمليات والمختلفة.
وتعتبر الإدارة الأميركية أن وظيفتها منع سقوط السعودية في الهاوية، وحمايتها من هزيمة محققة عنها حتى لو تطلب الأمر إطالة أمد الحرب. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن إدارة دونالد ترامب غير مكترثة البتة بالرأي العام العالمي وتلوث سمعة البلاد وفقدان صدقيتها، وإن وجد حرج في بعض المؤسسات الأميركية يعبّر عنه بالتصريحات والتعبيرات الهامشية.
إلى ذلك، كثرت التسريبات في نهاية العام الماضي عن طلب إماراتي سعودي من واشنطن بالتدخل المباشر في الحرب على اليمن، أهمها الوثيقة السرية المرسلة من سفير الرياض في واشنطن الأمير خالد بن سلمان، إلى أخيه وليّ العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، حول لقاءات يعقدها السفير السعودي في الولايات المتحدة، بمشاركة سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من أجل إقناعهم بضرورة الموافقة والإجماع على عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإصدار قرار أممي بالتدخل العسكري المباشر في الأراضي اليمنية دعماً للتحالف العربي وفرض وصاية الأمم المتحدة على باب المندب والموانئ اليمنية، وذلك بذريعة الحرص على تأمين سلامة الملاحة الدولية من التهديدات الإرهابية لميليشيات الحوثي حسب زعمه.
كذلك كشفت مصادر دبلوماسية وأخرى صحافية أن الإمارات طلبت من الأميركيين التدخل العسكري المباشر في اليمن، وأن طلبها حظي بقبول من قبل الرئيس دونالد ترامب، مع اشتراطه تمويل العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية، ولكن بعد موافقة الكونغرس الأميركي.