يسود هدوء حذر العاصمة صنعاء، لا يخترقه سوى عشرات الغارات التي يواصل طيران العدوان السعودي إسقاطها انتقاماً لاحتراق «ورقته السياسية الأخيرة»، الرجل القوي لأربعة عقود، علي عبد الله صالح، واستكمالاً لعامين ونصف عام من القصف والحصار اللذين فشلا في إخضاع اليمنيين، بل دفعهم أكثر نحو التمسك بسيادة الأرض والقرار السياسي.
وشنّ طيران العدوان «أكثر من 60 غارة على عدد من محافظات الجمهورية خلال الساعات الماضية أدّت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة»، وفق وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، التي نقلت عن مصدر عسكري تأكيده «استشهاد 14 مدنياً في محافظة صعدة، وطفلة في محافظة حجة».
ومن بين الغارات، 27 غارة على صنعاء، استهدفت اثنتان منها المدرسة الفنية وسط العاصمة، وواحدة استهدفت منصة «ميدان السبعين» الذي من المتوقع أن يغصّ، اليوم، بعشرات الآلاف من مشيّعي «شهداء وأد فتنة ميليشيا الخيانة»، وذلك استجابةً لدعوة حركة «أنصار الله».
وجاء تصاعد القصف الجوي بعد ساعات من خروج عشرات الآلاف في مسيرة جماهيرية على خط المطار شمال العاصمة، تأييداً للدولة التي لا تزال تسيطر على زمام الأمور.
أما عسكرياً، فنقلت المواقع المحلية عن مصادر تأكيدها «فرض أنصار الله سيطرتهم على جميع المواقع العسكرية التي أعلنت ولاءها لصالح»، مشيرة إلى أن الحركة «أعادت انتشارها في المناطق القريبة من مطار صنعاء شمالي المدينة». كذلك لوحظ انتشار مكثّف للجان الشعبية والقوات اليمنية، ومنها الموالية لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، في عدة أحياء من العاصمة، وذلك «بهدف فرض الأمان ومنع وقوع أي فتنة»، وفق المصادر.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر في صنعاء أن الأمين العام لـ«المؤتمر» ياسر العواضي، موجود في العاصمة «بعدما منحته حركة أنصار الله الأمان». ونفت المصادر أن يكون العواضي قد تعرّض لأي إصابات، لأنه لم يشارك في المواجهات العسكرية التي شهدتها العاصمة مطلع الأسبوع الجاري، ولم يكن طرفاً فيها.
وفي مشهد يعكس حجم الانقسام في «المؤتمر»، المنقسم أصلاً، قدّم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، التعازي لنجل الرئيس السابق، أحمد علي عبد الله صالح، في مقرّ إقامته الجبرية في الإمارات، التي منذ عام 2014 فرضت، بطلب من الرياض، قيوداً على تحركاته ومنعته من مغادرة أراضيها. كذلك قدّم «المجلس الانتقالي الجنوبي» العزاء بمقتل الرئيس السابق، واضعاً التعازي بسياق «الوفاء للحليف المشترك المتمثل بدولة الإمارات ودول التحالف العربي».
وطالب «المجلس» في بيان، أمس، «الأشقاء في المجتمع الدولي والإقليمي، وفي مقدّمتهم أشقاء السلاح والدم، الأخوة في الإمارات والسعودية، بحصر ثروة صالح التي جمعها من خيرات الجنوب وثرواته، ومصادرة ما لا يقل عن 50 في المئة منها وتحويلها إلى المجلس الانتقالي الجنوبي»، مشيراً إلى أن تلك الثروة «ستُحوّل لبناء مرافق ومصالح عامة، من مستشفيات ومدارس وطرق في مختلف المناطق الجنوبية».
بدورها، شددت موسكو على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، أمس، على ضرورة «استئناف الحوار الوطني الشامل تحت الرعاية الأممية وعلى أساس الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح جميع الأطراف، في أسرع وقت ممكن»، محذرة من «خطر انزلاق اليمن إلى فوضى عسكرية وسياسية».
وبعيداً عن التحركات السياسية والديبلوماسية الخارجية وانعكاساتها المحدودة داخلياً، تتواصل المعارك في جبهات القتال المختلفة، التي لا يزال تحالف العدوان يتكبد فيها خسائر بشرية ومادية، ولا سيما في محافظة تعز، حيث أكّدت «سبأ» مقتل «عدد من مرتزقة العدوان السعودي في كسر زحف وهجوم على مواقع لهم» في عملية نوعية نفذها الجيش اليمني واللجان الشعبية.